حتى لا يقال: كلما جاءت أمة لعنت أختها

2014-11-22 13:48

 

ليس هناك ما هو أسوأ من انعدام الرؤية، فالمناطق الرمادية عادة لا تحمل على التفاؤل، وتصيب المرء بالإحباط واليأس، وهذا ما نخشاه كثيراً على حركة الشارع الجنوبي الذي سبق قياداته السياسية من اللحظة التي تحرك فيها في 7 / 7 / 2007م.

 

كانت القيادات التقليدية تجتر إرثها السياسي بكل ما يكتنفه من صفاء أو تعكير، اعتادت أن تحكم وأن تجر الجماهير وراءها من مواقع السلطة، لكنها لم تجرب قط التحول إلى فاعل قيادي منزوع عنه غطاء السلطة وهيلمان الحكم، يتحرك من بين الجماهير ويتعرض لما يتعرضون له ويعتمد على قوى الحق الجماهيري لا حق قوة السلطة في توفير مناخ آمن للعمل السياسي.

 

كان بإمكان بلد صغير مثل الجنوب المستقل عام 1967م أن يحافظ على كينونته بأقل الخسائر الممكنة بالابتعاد عن الاستقطاب الدولي والتجريب الحركي للقوميين العرب الذين وجدوا ضالتهم في الجنوب كدولة عكست رؤاهم من بيروت إن أصيبوا بالزكام في الشام عطس الرفاق في عدن.

 

وكان الأسوأ أن تعتمد تجربة الثورة ثم الدولة الإقصاء للآخر الذي ما أن يهم بالخصوم المفترضين حتى يبدأ برفاق الصف، وعندما تجنح القيادة الأم لجموح اليسار الماركسي بعد صدمة نكسة حزيران 1967م بخروج الأخ نائف حواتمة عن الحركة الأم ومجاراة الدكتور جورج حبش له بتخريجين جديدين الجبهة الديمقراطية والشعبية لتحرير فلسطين على التوالي، يلتفت الرفاق المراهقون ماركسيا إلى الفعل عينه بإقصاء الرئيس قحطان الشعبي وفيصل عبداللطيف الشعبي لتبدأ مراحل إقصاء الرفاق بعضهم بعضاً تحت لافتات ومسميات شتى ما أنزل الله بها من سلطان.

 

لقد أدت روسيا سيدة اليسار العالمي دوراً محورياً في المخاضات الجنوبية، بالإنابة طبعاً عن بريطانيا العظمى التي لم تعد قادرة على مواجهة النفوذ الأمريكي المتعاظم في مناطق نفوذها في المنطقة.

 

وكان التوغل في أدغال الشعارات والأفكار الثورية واليسارية يخلق حالة من التوجس في دول المنطقة من تكرار تجربة لم تكن مثالية لمدينة عالمية (كوزموبوليتان) مثل عدن ليتراجع مكانها الملاحي والتجاري العالمي، بينما تنهض موانئ ومدن كانت مجهولة في الخليج العربي لسيرها الوئيد على درب العقلانية البريطانية التي نقلت تجربة لم تدم طويلاً في الجنوب، الاتحاد الفدرالي الذي صارعته النزعات القومية والثورية، لتنجح التجربة بإشراقات دولة الإمارات العربية المتحدة.

 

وكان من المثالب أن الدولة الوليدة لم تحافظ على كفاءات عدن وتكنوقراط إداري مدرب بدلاً من التجريب الثوري المضر وتحول رجال الثورة (حراس المعبد) إلى إداريين كمكافأة لا يجوز أن تجبى على حساب المعرفة والمقدرة والكفاءة.

 

وبالرغم من كل ما قد يولده استعراض كهذا من دواعي الأسف إلا أننا لا ننكر إشراقات تلك الدولة، وإن ما نراه الآن نراه من خارج الحدث والتاريخ ومتطلباتهما، لكننا نتوخى من طرح كهذا أن التجربة الثورية السلمية لشعب الجنوب اليوم أن تستفيد من التجارب التاريخية السابقة دون تكرار للأخطاء القاتلة، وأن يكون الرشد والعقل والموضوعية أدوات منطقية لقياس المرحلة والخروج بمكاسب هي متطلبات شعب بأقل الأقل من الخسائر وفي مقدمة ما ينبغي الالتفات إليه جماهيرياً الدفع باتجاه وحدة القيادات السياسية ووضع برنامج مرحلي يكون محط إجماع الجماهير بعيدا عن الغلو فيه وتعسف المرحلة.

 

وبالإمكان أن يلعب الإخوة التاريخيون والتقليديون من حكام الجنوب أو من معارضيهم قبل الوحدة دور الاستشارة والنصح والتوفيق بين الأطراف القيادية (المتوحدة) وهي من القيادات الشابة، كما نفترض ذلك.

* الأيام