هل ‘‘ أنصار الله‘‘ بديل للقضاء والنيابة العامة؟

2014-11-18 22:10

 

لا شك أن هناك الكثير من المظالم والقضايا المعلقة التي فشل القضاء الرسمي في حلها أو تطبيق أحكامه بعد إصدارها، كما أن الكثير من القضايا خُلقت نتيجة لترهل الجهاز القضائي وعجزه وللفساد الذي أصاب كل مفاصله تقريباً, فالضعف الذي أصاب أجهزة الدولة بشكل عام كان للجهاز القضائي والنيابة العامة نصيب وافر منه، وهذا أغرى الكثير في أموال وأراضي غيرهم، كما أن عجز أجهزة الضبط القضائي عن تطبيق احكام القضاء زعزع الثقة في القضاء نفسه كسلطة مستقلة.

 

بعد دخول أنصار الله صنعاء توافد الآلاف على المجلس السياسي ومقرات أنصار الله حاملين معهم ملفات لمظالم وقضايا يعود تاريخ بعضها لعدة عقود ماضية، اغلبها متعلق بالأراضي والخلافات حول الملكية، كاد المجلس السياسي يغرق في تلك الملفات والقضايا, واستنفذ استقبال تلك الحالات كل الجهود، وأدى ذلك الى قصور واضح في العمل السياسي.

 

اقترحت ومنذ اللحظة الأولى أن لا يُغرق أنصار الله أنفسهم في استقبال تلك القضايا، فهناك عشرات الاف من القضايا والنزاعات التي حتى وان تمكنوا من حلها فإنهم سيكنون خصماً لنصف المتحاكمين، فمن سيُحكم عليه بالتأكيد سيشعر بالمرارة من أنصار الله ويتهمهم بالتعصب مع خصمه، خصوصاً اذا ما عرفنا أن اغلب النزاعات على الأراضي في صنعاء مرتبطة بمرحلة ما بعد ثورة 62م، حيث عمدت مراكز القوى المنتصرة وبالأخص بعد انقلاب 67م على نهب أراضي خصومهم ومصادرتها ومن ثم التصرف فيها بالبيع أو بالبناء، ومن هنا نشأت ألاف القضايا المرتبط أغلبها بمقربين من تيار أنصار الله، ومن هنا تأتي حساسية تناولهم وتصديهم للفصل في تلك القضايا.

 

كان رأيي - الذي عبرت عنه في اجتماعات خاصة وعلنية- أن يدفع أنصار الله باتجاه إحداث تغييرات في الجهاز القضائي وجهاز النيابة العامة بما يكفل وصول أصحاب الكفاءة والخبرة ومن المعروفين بالنزاهة وعفة اليد الى أهم المناصب في تلك الأجهزة، والدفع لمنحهم صلاحيات واضحة في احداث إصلاحات واسعة في الجسم القضائي وجسم النيابة العامة بما يكفل تفعيل الجهازين واستعادة دورهما مما سيؤدي حتماً الى إعادة الثقة لدى المواطنين في تلك الأجهزة.

 

كما يجب تفعيل دور أجهزة الضبط القضائي "أجهزة الأمن" لتقوم بتنفيذ الأحكام القضائية الباتة وبشكل فوري، وعندها سنكون أمام حل متكامل –دون أي اضرار على تيار أنصار الله- لتلك المعضلة التي أرقت اليمنيين لعقود من الزمن وجعلت أغلبهم لديهم قضايا معلقة في المحاكم.

 

كما أن تلك الطريقة في معالجة ذلك الخلل ستجنب أنصار الله الكثير من المشكلات والخصومات، وبما أنهم تيار سياسي من ناحية وتيار دعوي من ناحية أخرى فليس من صالحهم أن يباشروا دور السلطة على أي مستوى، لأن ذلك سيجعلهم في احتكاك مباشر مع المواطنين مما يؤدي الى خسائر فادحة في شعبيتهم مع مرور الوقت بسبب تراكم الشكاوى من سوء تصرف البعض من قليلي الخبرة، كما أن تصدر أنصار الله للفصل في مثل تلك القضايا سيعرض عناصرهم لآفة الفساد بشكل أو بآخر نتيجة للمغريات التي ستنهال عليهم وبالأخص في ما يتعلق بقضايا الأراضي.

 

أعلم أن هناك توجيهات واضحة صدرت من السيد عبدالملك الحوثي الى أنصار الله في صنعاء تمنعهم من التصدي لحل مثل تلك المشكلات وحصر مهمتهم في معالجة أي مظالم أو تجاوزات فردية حصلت من المحسوبين عليهم أثناء دخول صنعاء أو أثناء أداء اللجان الشعبية لعملها المتعلق بحفظ الأمن، لكن البعض يتجاوز تلك التوجيهات مستغلاً عدم معرفة المواطن العادي بها ويقوم بدور القضاء والنيابة العامة، ووصل الحال الى أن هناك سجون خاصة ومحاكم بدأ البعض ينشئها داخل أمانة العاصمة صنعاء ويتدثرون برداء أنصار الله في أداء ذلك الدور.

 

ومن هنا يجب على المجلس السياسي لأنصار الله ووسائل اعلام الجماعة أن يقوموا بتوعية المواطنين وابلاغهم أن أنصار الله ليسوا بديلاً عن النيابة العامة والقضاء، وأن من يمارس ذلك الدور بعض المجتهدين بدون غطاء رسمي من الجماعة، وأن من حق أي مواطن رفض التقاضي خارج القضاء الرسمي ورفض أي استدعاء من أي شخص أياً كان، وهذا بالطبع لا يلغي دور الحلول العرفية والقبلية لبعض تلك القضايا عن طريق التحكيم برضاء المتخاصمين وبدون أي إجبار بحقهم أو ممارسة أي وسيله من وسائل القهر أو الاكراه.

 

يجب أن يكون هدف الجميع تعزيز مؤسسات الدولة وعلى رأسها القضاء والنيابة العامة لا المساهمة ولو بحسن النية في انهيارها، ولا أعتقد أن أي إصلاحات لأي خلل بعيد عن مؤسسات وأجهزة الدولة ستكون مجدية، فالأمزجة الشخصية وانتهازية البعض ستفسد أي إصلاحات تكون بديلة عن الدولة وأنظمتها وقوانينها.

 

* نقلاً عن صحيفة الأولى" 19 / 11 / 2014 م

علي البخيتي [email protected]