زعم الفرزدق أن سيقتل مربعا ** فابشر بطول سلامة يا مربع
أتذكر هذا البيت كلما زعمت مكونات الحراك الجنوبي شيئا، ليقيني أنهم أبعد من تحقيق ذلك، وفق معطيات سنوات مضت، فهم يكررون أنفسهم بصورة تبعث على الأسى، وفي حالة من الوهن والتشظي المؤسف، وكل شهر بل كل يوم تضاف مكونات جديدة منشطرة عن المكونات الأساسية، ومايزال “الحبل على الجرار” كما يقول المثل.
هؤلاء في قاموسهم مصطلحات الإطاحة ببعضهم والإساءة والتخوين والتشكيك بصورة تبعث على الرثاء، لم يرتقوا في عملهم وأدائهم على مدى السنوات الماضية إلى مستوى عطاء شعبنا العظيم الذي لا يمتلك حتى اللحظة قيادة تحقيق مطالبه وإرادته.
كما لدينا حشد هائل من المكونات والزعماء والمرضى النفسيين وأصحاب الفكر الذي توقف عن الأداء في العقود الماضية وظل عالقاً عند هواجس ووساوس لا فكاك ولا براء منها مطلقاً.
لم يتخلق من كل هذا الطيف المكوناتي زعماء موحدين يشكلون نواة للأداء المنسق حتى نتجاوز معضلاتنا الراهنة.
هم بوضعهم الراهن، ولو أتت الفرصة ذهبية إليهم فهم غير قادرين على استثمار اللحظة، وعاجزون تماماً، بل مشلولون، وفي حالة من التيه المستمر، لم يحترموا قط الإرادة الجماهيرية ولم يستشعروا المسؤولية، غير قادرين أصلاً على التخلي عن مسمياتهم الزعمائية على رؤوس المكونات التي تمشي في أدائها بعيدة عن الشارع، غير متصلة به، كما أنها لا تحركه، فالشعب يعبر عن قناعاته ووطنيته ليس لأنه يضع ثقله مع تلك الشراذم الغريبة التي هي وراء الإخفاقات القائمة.
فعند كل صباح نفاجأ بزعامات جديدة تدحض السابقة، وكل تصريح ينفي ما قبله، فأين اللحمة الوطنية عند هؤلاء؟!.
في المليونية الأخيرة تخلقت مسارات جديدة في مضمار سلمية ثورتنا، تحقق تلاحما شعبيا غير مسبوق، ربما لأن القناعات ترسخت لدى شعبنا بعدم جدوى إضاعة سنوات جديدة في مرحلة العبث والفوضى.
إجماع يمكن قراءته من الحشود الضخمة في ساحة العروض بألوان الطيف الجنوبي، ويمكن قراءته أيضا من وجوه المعاناة، فكافة الشرائح الاجتماعية تؤم ساحة الاعتصام متلمسة الطريق إلى فجر الحرية لا لسماع بيانات متناقضة وحالة هرج ومرج على منصة غير مسيطر عليها، وفعاليات لم تكن مسبوقة برؤية لكيفية إدارتها وتنظيمها.
الناس يقيمون خيم الساحة بعفوية ويعلنون الانضمام للحشد والاعتصام، إلا أن كل هذه التطورات اللافتة والنوعية لم تقابل للأسف بما يوحي بأن لدينا قيادة قادرة على فعل شيء أو حتى تمتلك رؤية لما يمكن أن يتحقق من الاعتصام الذي أظنه لن يتكرر في تاريخ شعبنا إذا ما كانت النتائج مخيبة للآمال، كان ينبغي أن تخفي المكونات سوآتها وتتوافق على الأقل في طرق إدارة الاعتصام، وترحل خلافاتها إلى وقت لاحق.
لكن عصيدة المكونات تأبى إلا أن تكون مفسدة محبطة، رغم أننا نمتلك في هذه اللحظة الكثير من عوامل النجاح، وللأسف يبدو أنهم ليسو أهلاً لقيادة شعبهم بحكم حالة التوهان والاستغراق عند حدود الماضي، الذي ليس بمقدورهم تجاوز عتبته.
ويبرز السؤال المنطقي: ما جدوى هذه المكونات إذا لم تكن تسهم في تحقيق الإرادة الشعبية وتقود العمل السياسي الذي يعكس تلك الإرادة؟. والثابت أن وضعاً على هذا النحو يجر معه تبعات عدة، منها منح الأطراف المتربصة الفرصة لتحقيق هدفها في تمزيق عرى وحدتنا الجنوبية، ونشر كل ما يمكنه أن يخلق حالة من التضارب والتضاد حتى على صعيد الساحة.
كل هذا لم يكن ليأتي مطلقاً لولا أننا بلينا بحشد من المكونات غريبة الأطوار تتصارع بحدة وهي مازالت بعيدة عن الدولة، فعلى ماذا هذا المستوى الحاد من الخلافات.. إذا كان وجودنا على ساحة الاعتصام مهددا أيضاً لأننا لم نكن قد ثبتنا على الأرض.
اللافت أو المثير أن ثورتنا تجاوزت الحصار الإعلامي، وهذا نصر كبير جداً قياساً بما كنا عليه من قبل.
إلا أننا وبوضوح عجزنا تماماً عن تحقيق أدنى تقدم يذكر على صعيد وحدة المكونات ووحدة الصف والحامل السياسي، الحال الذي له تأثير بالغ على مسار ثورتنا.
وهنا يبرز السؤال: هل خلت الجنوب من الأعلام الوطنية البارزة القادرة بضربة معلم على تخطي واقعنا المؤسف..؟. مثل هؤلاء لو أنهم اصطادوا اللحظة حتماً سيحظون بالترحاب والالتفاف حولهم، شريطة أن يكون الاتجاه واضح المعالم يحقق الإرادة الجنوبية غير متصل بمشاريع صغيرة، ومثل هذه الرموز إن وجدت سوف تفحم المكونات المتخاذلة وتلغي الزعامات الخائرة فاترة الهمة.
* الأيام