من منا لا يعرف ( بويش ) , البوابة الشرقية لمدينة المكلا ؟؟!! لكن كثيراً منا قد يجهل كيف كانت قبل خمسة وعشرين عاماً أو تزيد قليلاً ..
بويش تلك القرية الصغيرة ، النائمة بين أحضان الطريق المؤدي إلى المكلا .. وتصحو كل يوم على هدير سيارة ( أبو عليات ) يرحمه الله , وغيرها من السيارات القادمة من الشحر والغيل .. فيخرج أبناؤها وهم ينزعون النوم من أعينهم نزعاً , حاملين زنابيل البيدان والزيتون على رؤوسهم ..
هذا ديدنهم كل يوم ، فكلما أقبلت سيارة هشّوا إليها بالزنابيل .. هذه هي بويش ذات الأسمال والمقهى اليتيم.. نقطة عبور , ومركز لهدايا البيدان والزيتون , وذكرى محببة للأطفال تظل منقوشة على أناملهم وشفاههم وملابسهم من أثر البيدان ..
لكنها لم تقف أسيرة الزنابيل , أو مكبلة بالصفيح .. فما بين غمضة عين
و انتباهتها , صارت مأوى القلوب , و مهوى الجيوب.. تغزل بها الشعراء , وطلب ودها الأمراء .. وامتلأت تلك الزنابيل بعشرات الملايين من البنكنوت , وحلت العمارات الشاهقة محل الصفيح المتآكل ..
وكم بويش فينا صار بوشاً..جرت الملايين بين يديه دون مقدمات تذكر ( أو حتى رنة ) من إرث أو تجارة أو درجة علمية عالية تؤهله لذلك..
رأيناهم رأي العين , كيف تملينوا , وركبوا السيارات الفارهة ,وملكوا اليخوت في البحور .. وكتبوا على قصورهم الشامخات بالكوفي العريض : (( هذا من فضل ربي )) وما خفي كان أعظم ..
و ما قصة إبليس التي قرأناها على صفحات الجرائد بخافية على أحد , حين تقدم إلى المحكمة مدعياً عليهم , ومتهماً إياهم بالجحود والعقوق..
هؤلاء هم بذور الفساد , تستنبتهم رياحه في أصقاع شتى , وفي مختلف الظروف المناخية .. وحين يشتد ساقها ويقوى عودها برعاية مباركة كريمة , تنضم إلى حزب المفسدين في الأرض , ويصبح الفساد في هذه البلاد سيفاً مسلطاً على رقاب العباد .. وهو القاعدة والأصل والخط الأحمر الوحيد .
إنه الأرضة التي أكلت الأخضر واليابس في البر والبحر , ما فوق الأرض وما تحت الثرى .. والداء الذي أنجب الحراك الجنوبي , وأنجب القاعدة و الحوثي والفقر و البطالة وال.....
فهل يأتي يوم يثور فيه الشباب على الفساد ، بدلاً من الثور ة على صورة ..وهل ستعلن هذه الحكومة الكفاح المسلح ضده أو أنها ستظل تحارب , على جبهات متعددة بعيدة كل البعد عن العدو الحقيقي؟؟
هل يأتي يوم تشهر فيه الدولة سيفاً حقيقياً ــ لا سيف دون كيشوت ــ في وجه الفساد والمفسدين ..على أرض الواقع ، لا على الورق و الهواء ؟
هل سيظل السؤال يتردد في الأصداء : من يحاسب من ؟! وأن الجميع يلتزم مبدأ السلامة .. وإن كان بيتك من زجاج , فلا ترم بيوت الناس بالحجارة ..وكان الله في عون هذا الشعب..