المتقاعدون في الأرض – حقيقةً - هم الذين بلغوا أحد الأجلين, إما الخدمة خمسة وثلاثون عاماً, وإما بلوغ الموظف ستين عاما.. ولا يحدث مثل هذا إلا بشرط أساسي وهو أن يُعيَّن الموظف في وظيفته وعمره خمسة وعشرون عاماً أو دون ذلك مثلما يحدث عندنا أيام زمان..
ومرحلة التقاعد هي موت وظيفي ,لا يبلغها إلا طويل العمر.. أما اليوم فلن يبلغها أحد.. أكرر : لن يبلغها أحد!!! ولو كانت سرعته تفوق سرعة الضوء, والسبب في ذلك واضح لكل راءٍ, وهو أن الخريجين لا ينخرطون في الوظيفة إلا وقد تجاوزت أعمارهم الخامسة والعشرين بكثير..
فكيف تصر الدولة على قانون يصير بلوغه في قائمة الغول والعنقاء, أي من المستحيلات؟ وكيف تخرس النقابات ومن لهم بالموظف وحقوقه علاقة عن قانون لا يخدم مصلحة الموظف وأسرته؟؟
والله لو حُدِّد الأجلان: ستون للعمر, وثلاثون للخدمة..فلن يبلغ كثير من الموظفين هذه الآجال.. لهذا, فيا أيها الموظفون, قد لا تشعرون بحجم الخطر أو هول المصيبة الآن, ولكن حين تبلغ الستين عاما, وخدمتك في الوظيفة لا تتجاوز الخمس والعشرين سنة أو الثلاثين, فسوف تشعر بوقع كلامي هذا, ولكن بعد فوات الأوان..
لهذا – أيضاً – عليكم التحرك من الآن؛ لتغيير هذا القانون الخيالي الذي لا يخدم مصلحة الموظف, بقانون آخر يتناسب وطبيعة التوظيف الآن.. لأنكم أيها الموظفون لن تبلغ خدمتكم خمساً وثلاثين سنة مهما فعلتم؛ لأن الستين ستسبقكم إليها!!
ثمة تساؤل آخر يخص شريحة الموت قاعداً أو الموت قاعدين, وهو الانتظار البرزخي: منزلة بين منزلتين.. فلا أنت بالمتقاعد, فترفع عنك الضرائب وقسط التقاعد.. ولا أنت بالموظف فتحصل على ما يحصل عليه الموظفون من تسوية أو زيادة أو علاوة سنوية أو ما شابه ذلك..
يظل الموظف في بياته أو في برزخه عاماً أو يزيد قليلا, فالمتقاعدون في عام 2013 ما زالوا – إلى شهر أغسطس 2014 – في داخل الواشر – كما يقولون - كأي موظف آخر.. والآن يضاف إليهم المتقاعدون الجدد لهذا العام.. السؤال: لماذا يتم تأخير هؤلاء؟ وأين تذهب تلك الاستقطاعات والخصومات, أكانت ضرائب أم أقساطاً للتقاعد؟؟ فلا يستحقها سوى الموظف نفسه, فلماذا لا تعاد إليه؟ فهي حقه وحده..
وأن يقضي الموظف خمسة وثلاثين عاماً مع الشغل والنفاذ في وظيفة - كالتدريس مثلا – فهذا الذي يستحق أن يُصنع له تمثال من ذهب, وتنثر أمامه الزهور, وتحرق تحت أقدامه البخور, يستحق أن ينعت بـ: أفنى عمره في خدمة الوطن..
أما أن يُرمى برصاص الجحود والنكران. وتتقطع أنفاسه لاهثاً وراء الإجراءات أو مستكملاً نقص المعلومات, وسط إهمال موظف أو تجاهل آخر.. فهذا الذي لا يستحقه..
وأخيراً: يجب النظر إلى هذا القانون الخيالي الجائر.. والنظر إلى خدمة المعلمين خاصة, فيكفيهم من التدريس خمسة عشر عاما أو زد عليها خمسا!!!!!!