حتى اللحظة تبدو وسائل ضغط الجنوبيين على صنعاء ضعيفة، بل هي غير ناجحة أو ليس بمقدورهم محاصرة صنعاء وتجهيز المتارس على مشارفها كما هو الحال عند الحوثيين، الطرف الحاضر على الأرض وفي المشهد السياسي بهذه القوة والضغط، ناهيك عما لديهم من توظيف جيد للعمل الإعلامي وخبرة التعاطي السياسي المتسم بالمرونة في بعض الأحيان.. إذاً لاشك في أن التعاطي مع هذا الطرف يبدو جيداً ومختلفاً على عكس ما هو قائم بالنسبة للقضية الجنوبية، الطرف الأضعف، عبر ثورته السلمية التي لم يسجل التاريخ العربي انتصارا لها في أي من حقبه الزمنية، فمن غير المتوقع أن تشكل الثورة الجنوبية استثناء وفق معطيات سنوات مضت.
تبقى وسيلة الضغط المثلى بل الوحيدة بالنسبة للجنوبيين هي وحدة الحامل السياسي، مفصلية أشارت إليها الكثير من الأطراف الدولية باعتبارها الجسد الذي يحقق الأهداف المرجوة من منظور حالة التعثر والشتات التي قدمها الجنوبيون خلال الأعوام المنصرمة لاتحمل في طيها رؤية موحدة وواضحة بإجماع جنوبي. ويمكننا من خلال قراءة سطحية للمشهد اليمني الذي يتشكل في هذه الأثناء على تحالفات جديدة ربما مختلفة وكل ما يعتمل على الصعيد السياسي، يوحي بأن قضية شعبنا تحتل مكانة هامشية على صعيد الوضع الذي هو في طريقه إلى التخلف، ومرد ذلك إلى غياب تام للرؤية الجنوبية الموحدة جراء الإخفاق الواضح والجلي والعجز التام عن تشكيل وحدة الحامل السياسي للجنوب وكافة فصائله التي تبدو غير متجانسة وبعيدة عن الشعور بالمسؤولية، لاتكترث لكل هذه التبدلات في محيطها ممعنة بطرق أداء عقيمة عفا عليها الزمن، معمقة بنهجها هذا عذابات شعبنا العظيم الذي بدوره قدم الكثير دون أن يتم عكس هذا العطاء على الصعيد السياسي وترجمته إلى ما يحقق تطلعات شعبنا الكريم.
حالة وهن وإحباط جنوبية صارخة مردها إخفاق القيادات والرموز في مصادرة ماضيها نحو بلورة إجماع ينهي حالة التوهان القائم.
المثير للأسى أنهم وفي ظل هذا الواقع المر والتردي العارم في معظم المحافظات الجنوبية وحالة الخلط والفوضى بكل ما يلازمها من نزيف دماء.. كل هذه العوامل لم تدفع رموز الجنوب وقياداته لتقديم عطاء وطني يرتقي إلى مستوى نضالات شعبنا، فحتى ما تكشف من دعوات ونوايا صادقة بضرورة الإسراع نحو خلق وحدة الحامل السياسي تبدو تائهة وغير موفقة حتى اللحظة، جراء حالة تشرذم جديدة في طابعها توحي بالدعوة للإجماع الجنوبي، في حين أنها في نهاية المطاف تصب في مجرى إضافة مكونات جديدة، وكأن ذلك ما تفتقره.
الثابت أنه لا قيمة لكافة هذه الجهود إذ لم تحقق إجماعا فعليا على الأقل نواجه به ما يعتمل من مشاريع منتقصة للحق متجاوزة لإرادتنا. فشرط النجاح هنا يستدعي تنازل كافة المكونات نحو تحقيق هذه الغاية الهامة.. حتى تلك التي هي في طريقها لخلق اصطفاف يوحد المكونات عليها أن تستشعر عمق الأخطاء القائمة وتبحث عن رؤية تتفق فيها مع من يشاطرها العمل بهذا الاتجاه، ويمكن لهؤلاء أن يمثلوا نواة الإجماع المطلوب، لو أخلصت النيات. فأي مؤتمر جامع لايكون كذلك إلا بجهود وطنية مخلصة متجاوزة عقبات وعقد الماضي.. وإلا فلا داعي لأن نكرر أنفسنا.
نعم لدينا رموز وقوى تدرك تماماً أننا أمام مستجدات عاصفة، لديهم إحساس بالخطر جراء استمرار أوضاعنا على هذا النحو من التشظي والتيه، في ظل محدودية البدائل وواقع ضغوط يومية وحالة إمعان في نهب مقدرات شعبنا، وقوى متصارعة على ما يمثل لها الجنوب، غير آخذة في حساباتها بعدالة قضيتنا الواضحة. المثير حقاً بل المؤلم الموجع أننا نبدو متفرجين على المشهد المحيط حتى تكتمل حلقاته كما لو أنه لا شأن لنا ولا صلة لنا بما يجري عدا البقاء عند حالة حضور باهتة في ما يعتمل من فعاليات.
نعم إن الجزء الأكبر من مسؤولية ما يجري تتحمله الرموز والقيادات الجنوبية بصفة عامة، فما بلغناه من وهن وإحباط مرده أداء هؤلاء الذين لايحملون في أرشيف ذاكرتهم سوى الماضي الذي لا يكفون عن استحضاره على نحو يائس ومهين كلما اقترب شعبنا من انتصار قضيته.
* الأيام