سمعت وقرأت كثيراً خلال الأيام القليلة الماضية عبارات تُقلل من أهمية الحريات الشخصية وتعتبر أن مثل تلك المواضيع لا تستحق الاثارة والاهتمام فمنع أحدهم من الغناء أمر ليس مهماً على اعتبار الغناء ليس ضرورياً كالأكل والشرب ومصاريف الحياة التي جعلت الجرعة الأخيرة الحصول عليها أمراً صعباً ان لم يكن مستحيلاً.
اقول وبوضوح لكل هؤلاء:
حرية المواطن الشخصية أهم من قوته وأكله وشربه,
حرية المواطن الشخصية أهم عنده من ضرر استمرار سلطان ظالم,
حرية المواطن الشخصية أهم عنده من ضرر بقاء حكومة باسندوة,
حرية المواطن الشخصية أهم عنده من ضرر وصول علي محسن الى رئاسة الجمهورية لا قدر الله.
حرية المواطنين الشخصية يا سادتي هي المتنفس الوحيد الباقي لهم في هذا الواقع المؤلم والصعب, وفي هذا الفقر المدقع, ومن سيتدخل فيها سيخسر مجتمعاً بأكمله حتى وأن صمتوا أو تحملوا, لكن ذاكرتهم الجمعية تسجل ذلك وتوثقه وستكون تلك السجلات -خلال أعوام قليلة- نكالاً على أي جهة سياسية تقمع الحريات الشخصية, ومن الخطأ أن يقحم أي تيار سياسي نفسه في مثل هكذا مواضيع ليس من حقه أصلاً التدخل فيها, لأنه بذلك ينتحر سياسياً ويكسب –وبسرعة مذهلة- مئات الآلاف من الخصوم الذين كان يمكن أن يكونوا معه أو على الأقل حلفاء أو محايدين في صراعه مع خصومه السياسيين.
هناك قوانين رسمية تحدد مستوى الحريات الشخصية, وعليكم اتباعها, فلا اثم عليكم, لأنكم لستم من قررها, ومن اراد أن يكون متحفظاً أو ملتزماً بشكل حرفي بما ورد في الموروث الديني فليلتزم لنفسه, ولا يجبر غيره على ذلك.
اقنعوا الناس بترك الغناء -اذا اعتبرتموه حراماً- ولا تجبروهم على ذلك, فاللجوء الى الجبر والاكراه يدل على فشل دعوتكم وتنظيركم في ما يخص هذا الجانب.
اعرف أن اغلب تلك التجاوزات فردية وعلى أكثر تقدير سلوك لبعض المجموعات في مناطق محددة, لكن السكوت عنها سيجعل الآخرين يعتبرونها نهجاً لذلك التيار السياسي, ومن هنا يجب المسارعة في كبح جماح تلك المجموعات او الأفراد الذين ينصبون أنفسهم حرساً للأخلاق العامة ورقباء على الحريات الشخصية, فهم بتلك التصرفات سيجعلونكم تخسرون في أشهر معدودة ما كسبتموه في سنوات طويلة.
اتذكر بهذه المناسبة لقاءً –نُقلت وقائعه لي- حصل بين الرئيس الايراني السابق احمدي نجاد ومجموعة من علماء مدينة "قُم", وكان لقاءً عاصفاً, هاجم العلماءُ أحمدي نجاد واتهموه أنه منح المرأة الايرانية سقفاً عالياً من الحرية في اللبس وكشف اغلب شعرها في الشارع ولبس الأزياء الضيقة.
فقال الهم أحمدي نجاد:
لن استغرق مقدرات الدولة وعناصرها الأمنية في ملاحقة النساء في الشوارع, لأني سأحتاج الى رجل شرطة يسير خلف كل امرأة, لدي مهمات حفظ أمن الدولة, ومواجهة المؤامرات الصهيونية الأمريكية, وكذلك مواجهة الأوضاع الاقتصادية المتردية الناتجة عن الحصار المضروب علينا بسبب برنامجنا النووي, وعليكم انتم يا علماء الدين اقناع بناتنا بالتزام الحجاب واللبس الشرعي, فتلك مهمتكم لا مهمتي.
في اليمن هناك أطياف سياسية ومذهبية ومناطقية متعددة, وهناك وجهات نظر وفهم متعدد للدين نفسه, فهناك من يحرم الغناء وهناك من يحلله, وهكذا في اغلب القضايا والمحرمات الدينية المتعلقة بالحريات الشخصية, اصافة الى أن هناك علمانيون ويساريون ولبراليون غير مؤمنين أصلاً بالكثير من تلك المحرمات, ومن هنا يجب علينا احترام ذلك التعدد والتنوع سواء فينا أو في فهمنا للدين.
ثم اننا اتفقنا داخل مؤتمر الحوار على مجموعة قرارات وتوصيات فيما يتعلق بالحقوق العامة والشخصية, وعلى الجميع الالتزام بها, فبعد توقيعنا جميعاً عليها كتيارات سياسية أصبحت تلك القرارات كالمواثيق والعهود, قال تعالى في محكم كتابه: "وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا".
* "نقلاً عن صحيفة الأولى" 14 / 8 / 2014م