الدور السعودي - المتوقع - بعد معركة عمران

2014-07-19 22:16

 

لا شك أن زلزال عمران سيصل تأثيره الى مدى أبعد مما تصوره البعض, فالهزة التي حصلت داخل أحزاب اللقاء المشترك لم تكن الا نموذج لتلك الهزات الارتدادية, إضافة الى أن سعي إخوان اليمن "الإصلاح" الى إعادة التحالف مع الرئيس السابق صالح –بعد كل ما فعلوه وقالوه عنه وعن اسرته- وجناحه داخل المؤتمر الشعبي عقب شعورهم بفشل تحالفهم مع الرئيس هادي وجناحه يثبت أن لذلك الزلزال نتائج هائلة على المشهد السياسي اليمني.

 

تأثير زلزال عمران لن يبقى حبيس الجغرافيا السياسية اليمنية حتماً, ولن يصل الى المحيط الإقليمي فقط, بل سيصل الى الفضاء السياسي الدولي, وسيؤدي بالتأكيد بالكثير من الدول الشقيقة والصديقة الى إعادة تموضعها داخل تلك الجغرافيا.

 

سأخصص هذا المقال للمرور على العلاقات اليمنية السعودية, والتي تصدرت حركة الاخوان المسلمين بتحالفاتها الدينية والقبلية والعسكرية داخل اليمن ادارتها من الجهة اليمنية خلال العقود الخمسة الماضية, مدعومة ومدفوعة بمخاوف سعودية من "شيوعية" الجنوب ما قبل العام 90م, ومن "شيعية" شمال الشمال خصوصاً بعد نجاح الثورة الإسلامية في ايران بزعامة الامام الخميني.

 

سقط ذلك التحالف –الممول لعقود من السعودية- في عمران شعبياً وسياسياً وعسكرياً بعد ان سقط في صعدة واغلب مناطق الجوف وحجة والمحويت وذمار وصنعاء "المحافظة" –فلأمانة العاصمة وضعها الخص-, ترافق ذلك السقوط مع استشعار المملكة وبعض دول الخليج أن الخطر الحقيقي على انظمتهم نابع من تيار الإخوان المسلمين والحركات الأصولية الوهابية وليس من غيرهم, بسبب مطامع تلك التيارات في قلب أنظمة الحكم في تلك البلدان, وبسبب تحالف الإخوان مع الكثير من المجموعات الجهادية التي تسعى جاهدة الى زعزعة أمن تلك البلدان وعلى رأس تلك التنظيمات القاعدة ومسمياته الجديدة "داعش" "انصار الشريعة" ....الخ.

 

كما يجدر الإشارة الى أن الإخوان داخل اليمن "حزب الإصلاح" هم من بادر الى الانقلاب على تحالفهم الوثيق مع السعودية, معتقدين خطأ أن الدور الأمريكي أصبح أكثر تأثيراً وضماناً وديمومة وأن الثورة في السعودية وبقية دول الخليج قادمة لا محاله, لذلك تجرأوا على مهاجمة آل سعود والتحريض عليهم على لسان حميد الأحمر وقيادات اخوانية وازنةٍ مثل توكل كرمان التي شنت –مع حميد- حملة كبيرة على الاسرة الحاكمة السعودية معتبرين انها تعيش لحظاتها الأخيرة وان قرارات النظام السعودي تخرج غرف الإنعاش, مدفوعين في هجومهم ذلك من واقع تأثير التدخل السعودي الحاسم ضد نظام الإخوان في مصر.

 

ذلك التحول الاخواني تجاه السعودية ناتج عن تحليل خاطئ للدور الأمريكي المستقبلي في المنطقة, وعن مصير الأنظمة الخليجية الحاكمة, لم يقع فيه اخوان اليمن لوحدهم فقد سبقهم اليه إخوان مصر, لكن خطأ اخوان اليمن أكثر فداحة بحكم معرفتهم بحتمية التأثير السعودي داخل اليمن بشكل خاص, والمحكوم بالمشتركات الثلاث: الجغرافيا والديمغرافيا والتاريخ.

 

باعتقادي أن السعودية باتت اكثر ادراكاً للمتغيرات الجديدة على حدودها الجنوبية, وليس من صالحها معاداة كتلة بشرية هائلة واستمرار وصفهم بالرافضة واِتباعِهم بإيران, فكلما ضيقت السعودية ودول الخليج الخناق السياسي والإعلامي على الحوثيين كلما وجدوا متنفساً لهم في ايران, والعكس صحيح, واستمرار ذلك الحصار خطأ استراتيجي تقترفه المملكة وبعض دول الخليج.

 

اثبت الحوثيين –عملياً- أنهم خير جارِ للملكة بعد بسط نفوذهم على بعض المناطق الحدودية, فقد توقف تهريب المخدرات والحشيش والسلاح, وتوقف ايضاً نشاط المجموعات الإرهابية وعلى رأسها القاعدة, ولم تحصل أي اعتداءات انطلاقاً من تلك المناطق على الأراضي السعودية, بينما في المناطق التي يسيطر عليها الاخوان وحلفائهم تجد العكس تماماً, حيث تُصبح مرتعاً لكل ما يضر المملكة من المجموعات الإرهابية الى تجارة السلاح والمخدرات والتهريب.

 

على السلطات السعودية أن تعرف أن أنصار الله "الحوثيين" لم ولن يكونوا في يوم من الأيام جزء من أي نشاط أو معركة ضد السعودية شعباً ونظاماً, سواء انطلقت تلك المعركة من ايران أو عبر التنظيم الدولي للإخوان أو من أي جهة أخرى, فقرارهم مستقل تماماً, وليسوا تابعين لتنظيم دولي عابر للحدود, وتحالفهم مع ايران هو على المستوى السياسي الإقليمي المتعلق بالقضية الفلسطينية, ولن يتحول ذلك التحالف الى خنجر تُطعن به السعودية في خاصرتها, فالروابط بين أبناء القبائل العربية المنتشرة على جانبي الحدود الشمالية لليمن أكبر وأعمق من أن توظف أي جهة إقليمية أو دولية أبناء تلك القبائل والمناطق في معارك ضد اخوانهم الذين تعايشوا معهم لقرون طويلة.

 

لكن استمرار ذلك الاخاء مرهون بمدى استيعاب بعض الأجنحة داخل الأسرة السعودية الحاكمة بأهمية عدم استمرارهم في خوض معارك الوهابية داخل اليمن, فلا يصح ربط النظام السعودي السياسي بالمذهب الوهابي ومعاركه, ومن المستحسن ربط النظام بمصالح المواطنين الدنيوية فذلك يضمن ديمومة واستمرار له اكثر من ربطه بالأمور الدينية, واعتقد ان الصراع الذي يخوضه النظام ضد الحركات الأصولية المتطرفة التي انبثقت عن المدرسة الوهابية خير دليل, فهي الخطر القادم عليه لا محالة مهما غض النظام بصره عنها.

 

يجب ان يتحول الدعم السعودي –في اليمن- من دعم للأفراد النافذين الى دعم للمؤسسات في اليمن, والى بناء للمشاريع الخدمية والبنية التحتية, والى فتح المجال مجدداً أمام المغتربين اليمنيين ومعاملتهم اسوة بالمواطنين السعوديين كما كان سائداً قبل احتلال الكويت, فنقل العلاقات الى المستوى الشعبي -بحيث يلمس المواطن فوائدها مباشرة- يُعتبر اكبر تحصين للعلاقات اليمنية السعودية, كما أن وقوف السعودية على مسافة واحده من مُختلف الأطراف السياسية والفكرية داخل اليمن سيعمل على إزاحة الصورة النمطية عن المملكة "كخصم وعدو لأغلب اليمنيين" والتي تراكمت لعقود بسبب دخول المملكة على خط الصراع ليس كوسيط بل كطرف محارب.

 

المناخ مُهيأ للسعودية ان تلعب دور جديداً داخل اليمن أكثر تأثيراً وفاعليه من الدور الذي لعبته خلال العقود الماضية, دور مبني على المصالح المشتركة بين البلدين, على الأمن المشترك, على الروابط التاريخية والجغرافية الغير قابلة للنفي أو التغيير.

 

علي البخيتي

[email protected]