يتكون يوم جدتي : من ابتسامات ترسلها إلى بيوت الجيران, عبر وسائل التواصل الاجتماعي زمان ( العكرة ), ومن حكايات تنسجها بإتقان عجيب, و تنثر شذاها علينا كل مساء , كي ننعم بنوم هانئ عميق, و أحلام جميلة مثيرة ..
و بينهما بعض أغنيات وأهازيج تترنم بها جدتي بعشق و صفاء, و تصول بها و تجول في الدرع و الفاضلة , أو الطول و العطفة (الضيقة)... و باقي أجزاء بيتنا القديم .
و لكل شهر أو مناسبة أهازيجها و أغنياتها الخاصة ..
ففي مثل هذا الشهر – أي شعبان – تجد البيت كله, في حركة دائبة منذ أيامه الأولى, و ساعات صباحه الأولى.. تأهباً واستعداداً لاستقبال شهر رمضان الكريم..
فيبدأ هذا الشهر بجلب الطين إلى المنازل , وغالباً ما تقوم النساء بجلبها من وادي شقيب أو غيره؛ لغرض ترميم و صيانة المواقد و التنانير ( جمع تنّار) و بعض أجزاء البيت , أو ما يسمى بــ( المحيض ) : و هو طلاء تلك الأشياء المذكورة بالطين ..
ثم يقوم بعضهم برشّ البيت , أي طلاؤه بالنورة , كاملاً أو بعضاً منه, و تقوم النساء بعد ذلك بتهيئة ما يحتجن إليه في رمضان, فيقمن بالدق أو الطحن , في المنحاز أو المرهاة , للبنّ و الزنجبيل و أنواع التوابل (الحواج) المختلفة ..
و تشكل تلك الأصوات, أصوات الدق و الطحن ,في أرجاء المدينة, سيمفونية جميلة محببة , تتخللها أهازيج الترحيب بقدوم شهر رمضان ( يا مرحباً بك يا رمضان ... فيك الشريبة و لحم الضان ).. و غيرها من الأهازيج مما يشرح النفس و يهيؤها لشهر الصوم .
هكذا هي بلدتي كلما هل عليها شهر شعبان, طقوس سنوية يمارسها أهلها بعشق وإخلاص واضحين, بعيداً كل البعد عما نسمع اليوم من أصوات الطواحين و الخلاطات المزعجة والمخيفة التي تدار داخل البيوت في صمت وحزن و كآبة , دون أن تسمع همسة ترحيبية ,أو أهزوجة تبشر الصغار قبل الكبار بوصول رمضان, عدا ما تقرأ من منشورات مختصرة جافة على صفحات الفيسبوك أو غيره من قنوات التواصل الاجتماعي ..
و رمضان - كما يقولون – على الأبواب (يا حيا برمضان.. من السدة فتحنا له, يا حيا برمضان.. من المسلف فتحنا له, يا حيا برمضان), و لا تفصلنا عنه إلا أيامٌ معدودات..
اللهم بلغنا رمضان, وأعنا على صيامه وقيامه و تلاوة القرآن..
آمين يا رب العالمين ..