ما بين مَلَكِيَة ‘‘ السيد‘‘ وجمهورية ‘‘الشيخ ‘‘

2014-01-08 04:54

 

لست مِن مَن يقارن بين السيء والأسوأ, فليس قدرنا أن نعيش بين خيارين اما "مَلَكِيَة" السيد أو "جمهورية" الشيخ, لنا خيارات أخرى.

علينا الاعتراف أن ثورة 26 سبتمبر فشلت فشلاً ذريعاً في تحقيق أهدافها, فلا نحن تحررنا من الاستبداد ولا من الاستعمار, بل تورطنا أكثر في اتفاقات أمنية أباحت أجواءنا ومياهنا وأرضنا للطائرات الأجنبية تقتل متى تشاء, , ولا أزلنا الفوارق والامتيازات بين الطبقات, بل زادت الفجوة أكثر وتوسعت الامتيازات.

لم نبني جيشاً وطنياً, ولم نرفع مستوى الشعب اقتصادياً, فما حصل من تطور اقتصادي يعتبر عادياً, حصل ما هو أفضل منه بكثير في ظل أنظمة ملكية وسلطانية وأميرية.

أفرغنا الديمقراطية من محتواها وسخرناها للحاكم, حققنا الوحدة ثم فشلنا في الحفاظ عليها, و نقلنا براميل التشطير من الحدود الى النفوس, كنا شعب واحد في دولتين فأصبحنا شعبين في ما يُشبه الدولة, وقد نتحول الى شعوب ودويلات اذا ما تم "أقلمة" الجنوب و"أقلمة" الشمال.

علينا كذلك الاعتراف أن نظام الإمامة عزل اليمن عن العالم, وفشل في استيعاب متغيرات عصره, وأرسى بعض الممارسات العنصرية الطبقية خصوصاً في العقود الأخيرة من حكمة, وجعلها جزء من النظام, بينما النظام الجمهوري أجاد التنظير في المساواة, لكنه عملياً رسخ نظاماً طبقياً على أرض الواقع أشد وطأة وضرر على المواطن البسيط.

انتكست ثورة 26 سبتمبر عندما تحولت من ثورة ضد الإمام والإمامة الى ثورة ضد الهاشميين والزيدية, ما جعل مكون مهم من مكونات الشعب يشعر أن هذه الثورة ضده وتستهدف ثقافته ومذهبه وحامله السياسي.

تراكمت المظالم الناتجة عن أعمال النهب والبسط والمصادرة والاعدام والملاحة والنفي والاقصاء لشريحة مهمة داخل الوطن بعد ثورة سبتمبر, فأنتجت تياراً يشعر أن الثورة لا تعنيه بل أنها موجهة ضده وضد مصالحه.

ما حدث بعد ثورة 26 سبتمبر 62م مشابه لما حدث بعد ثورة 11 فبراير 2011م, فبعض الأطراف التي ادعت الثورية وبمجرد وصولها الى السلطة مارست فساداً أبشع كماً ونوعاً من فساد الأطراف التي ثارت ضدها, هنا بدأ المواطن العادي يقول في نفسه بعد الثورتين " رحم الله النباش الأول ".

أعتقد بل أكاد أجزم أن حركة أنصار الله " الحوثيين " لا تسعى الى استعادة النظام الإمامي وارجاع عجلة التاريخ الى ما قبل العام 62م, ليس لأن القائمين عليها لا يريدون ذلك – اذا افترضنا حُسن النوايا – لكن لأن قادتها السياسيين على وعي كامل أن ذلك أصبح من المستحيلات, وأن الوضع تغير كثيراً – محلياً واقليمياً ودولياً - خلال الخمسين عاماً الماضية, وأن السعي الى ذلك يعني ادخال اليمن في حرب طائفية مذهبية مناطقية, ستجد من يمولها لعشرات السنين وستأكل الأخضر واليابس ولن ينتصر فيها أحد.

دخول الحوثيين على الخط سيشكل " توازن قوة " مع الأطراف الأخرى التي استأثرت بالسلطة والثروة منذ 67م, قد يصنع هذا التوازن السلام, خصوصاً أن الجميع بات يدرك أنه من الصعب حسم المعركة لصالح أي منهم.

هذا التوازن مشابه – مع الفارق النوعي - للتوازن الذي أحدثه تواجد الحزب الاشتراكي على الساحة السياسية في بداية التسعينات محمياً بالجيش الجنوبي السابق, تلك المرحلة كانت أفضل المراحل التي مورست خلالها الديمقراطية والحرية بشكل حقيقي مع ما شابها من اختلالات.

وما نحتاجه في هذه المرحلة هو أن تقتنع القوى التقليدية الممسكة بمفاصل السلطة اليوم أن لا مناص من الشراكة الحقيقية في السلطة مع القوى الجديدة حتى يتحمل الجميع المسؤولية, ويشاركون في بناء اليمن القادم, وأن تقتنع القوى الجديدة أن الوصول الى السلطة يجب أن يمر عبر فتحات صناديق الاقتراع وليس عبر فوهات البنادق.

نحن بحاجة الى اعلان " جمهورية ثانية " - ان جاز التعبير – ليست بالتأكيد  "مِلَكِيَة السيد" التي حكمتنا قبل 62م, ولا تُشابه "جمهورية الشيخ" التي تحكمنا حتى اليوم,  هذه الجمهورية الجديدة يجب أن تبدأ بمرحلة انتقالية من 3 – 5 سنوات, تبنى فيها مؤسسات الدولة على معايير علمية ومهنية, و يشترك الجميع في السلطة السياسية, ويهيؤون الأجواء الى الانتقال من الحكم التوافقي – المحاصصة - الى الحكم عن طريق الديمقراطية والصندوق بعد أن يتم تحييد كل أجهزة الدولة عن تلك العملية, ونحاول خلال هذه المرحلة استيعاب القوى الجديدة في كل أجهزة ومؤسسات الدولة المدنية والعسكرية والأمنية, لتشعر تلك القوى أنها أصبحت جزء من الدولة ومن مؤسساتها, لتضمن عدم استخدامها مجدداً في حروب ضدها, ليسلم الجميع سلاحه ومناطق نفوذه ل" الجمهورية الثانية".

من يعيق " الجمهورية الثانية " – ( عبر رفض القوى القديمة الشراكة واستمرارها في السطو على السلطة والثروة, أو استمرار القوى الجديدة في حُكم مناطق سيطرتها بمعزل عن " الجمهورية الثانية " بعد ان تتاح له فرصة الشراكة الحقيقية في السلطة )- سيتحمل المسؤولية, وعندها ستتأكد لنا المشارع الظاهرة, أو ستظهر لنا المشاريع الخفية, وقبل ذلك لا يجب أن نتورط في أحكام مُسبقة وخاصة على القوى الجديدة التي لم تُختبر نواياها حتى الآن على الأقل, ولن نتمكن من اختبارها الا بعد الشروع في بناء " الجمهورية الثانية" وبتوازي تقديم التنازلات من الطرفين.

 

" نقلاً عن صحيفة الأولى "