حين لا يكون هناك خيار ثالث , تستظل به ؛ يصبح الموت ويمسي رد السلطة على شعب أعزل .
وحين يصبح الموت شريعة وقانوناً , والمجرم بطلاً يُحمل على الأكتاف , بل يؤدي واجباً دينياً ووطنياً ؛ تعلو ثرثرة البنادق والدوشكات في كل الأحياء والحارات , ويصير الرصاص لغة رسمية للبلاد ..
هو الموت إذن لا خيار بعده ..المبادرة أو الموت , الفساد أو الموت , الوحدة أو الموت .. أنا وبعدي الطوفان..فماذا أنتم فاعلون أيها الجنوبيون ؟؟
الموت يُوزّع بالمجان .. لا فرق بين طفل صغير ينوء بحمل دفاتره , أو امرأة مسنة تحاول جاهدة قطع الطريق , وما بينهما من كوادر مختلفة .. فالتهمة واحدة : أنك جنوبي .
يرتكبون ما حرمته الشرائع السماوية , والقوانين الأرضية , بذرائع تطل على العالم من شرفة بيت العنكبوت ..
للقتل فتاوى , ودعاة ينتشرون كالأبالسة في المعسكرات وبين الجنود .. يعبئون ويشحنون ويوغرون الصدور ... يزينون لهم فعل القتل وأجره العظيم .. وكنا قاب قوسين أو أدنى من استصدار قانون يحلل فعل الجريمة ضد الجنوبيين خاصة ..
لم نسمع همسة أو إدانة , أو كلمة حق ,أو إنصاف ومؤازرة .. لم تذرف دمعة واحدة , خلال سنوات طوال , وعلى مئات المواطنين الأبرياء ..
فكيف الآن يتباكون على الجنوب المظلوم , وعلى دماء أبنائه التي سالت بعد عام 1990م أكثر من أي وقت مضى .. أكثر من عهد الاستعمار البريطاني , وعهد الحكم الشمولي .. فلم يمت مواطن واحد , أو تطلق رصاصة واحدة على منزل أو نافذة .. أما اليوم فحدث و لا حرج ....
ما الذي قلب الموازين وغير القناعات والأفكار , مئة وثمانين درجة .. من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار .؟؟؟؟وهل ما نراه ونسمعه جواب نهائي , أو هو منطق السياسة والتكتيك والمصلحة واستباق الأحداث ؟؟ أي لكي يكون لهم مقعد في قطار التغيير القادم إن شاء الله , ولا يكونون خارج الحلبة ..
وهل هو فضيلة بعودتهم إلى الحق , أو تملق وتسلق ؟؟؟ فبعد عشرين عاما ً , اكتشفوا أن النظام فاسد ,وأن من كانوا ينعتونه بالصالح , هو في الحقيقة شيطان مارد ..وحديث طويل لم نسمع فيه اعتذاراً واحداً , وكأنهم يتعاملون مع قطيع من الأغنام ..
لو كان الجنوب لا يملك هذه الثروات, من نفط وغاز وذهب وأسماك ....ما موقف كل هؤلاء من الوحدة ؟ هل عضوا عليها بالنواجذ , أو رموا بها في وجوهنا ؟
ويعلم الجميع من سعى إلى الوحدة بإرادته وقناعته واختياره ؟؟ ومن كان يعاديها ويحرمها تحريماً منذ ولادتها ؟؟؟
وما الوحدة التي يعنيها الإسلام ؟ أوحدة الأمة وائتلافها وانسجامها واندماجها أم وحدة الأرض والفيد والغنيمة ؟؟
وأكاد أجزم أن ما يعنيه الإسلام بالوحدة , هو وحدة الإنسان في المقام الأول .. لا الأرض والأشجار والجبال والبحار و....وهذا ما لم تحققه الوحدة اليمنية , ولم يسع النظام إلى تحقيقه , ولن ؛ لأنه يخشى من تحققه ؛ ولأنه لا يعيش إلا في مستنقع التفتت والانقسام والتناحر ....