ونحن نعيش ذكرى الاستقلال، من المفيد أن نتوقف أمام مرحلة تاريخية حفلت بالكثير من الأحداث والصراعات السياسية التي وسمت أكثر من خمسة عقود في تاريخ شعب الجنوب. فقد غادر البريطانيون الجنوب على عَجَل، بعد أن قدّموا موعد إعلان الاستقلال أربعين يومًا قبل التاريخ المقرر، وكأن همّهم الوحيد هو الخروج دون التزامات أو تعويضات عن احتلالهم لعدن، وطيّ الصفحة بسرعة لا اكتمالها.
جرت مفاوضات خاطفة؛ مفاوضات لو كانت لتأسيس شركة صغيرة لاحتاجت أسابيع، فكيف تُمرَّر بهذه العجالة مهزلة تتعلق بمصير وطن ومشروع دولة؟ لقد وُقّعت ورقتان على عجل، أقل وزنًا من اتفاقية حماية كانت تُبرم مع إحدى المشيخات الثلاث والعشرين، ليُفتح الباب أمام انتقال سلطة لا تمثّل الجنوب كله، ولا تمتلك الشرعية الشعبية ولا السياسية.
تولّت تلك المجموعة الحكم بعد أن ساعدتها بريطانيا ومخابراتها على إقصاء القوى الجنوبية الأخرى والتخلّص من منافسيها، ثم فُتحت الأبواب لاحتلال يمني متدرّج، وكأن استقلال الجنوب مُنح لحكام صنعاء «عطاءَ من لا يملك لمن لا يستحقّ» وليس لشعب الجنوب.
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد. فقد بدا وكأن لندن قررت، عن قصد أو عن عجز، أن يضع الحكّام الجدد أنفسهم في خدمة ما كان يُعرف يومها بـ«حركة القوميين العرب» الخارجة من صدمة هزيمة 1967م، والتي غيّر قادتها بقدرة قادر من قوميين إلى ماركسيين، ثم أصبحوا مرشدين وموجّهين لحكام عدن الجدد. أراد هؤلاء تحويل عدن إلى «هانوي» أو «هافانا» المنطقة، فبدأت مغامرات طفولية قادت شعب الجنوب إلى نكبات متلاحقة وصراعات دامية كان السلاح وحده سيد الموقف فيها.
ولن نعيد هنا سرد التاريخ الذي يعرفه شعبنا جيدًا، لكن الأهم اليوم هو ما يجب أن نتعلّمه منه. وهنا تبرز الأسئلة الكبرى التي ينبغي طرحها في هذه المناسبة:
من المسؤول عن كل تلك الكوارث؟
ومتى وقف الجنوبيون وقفة مراجعة نقدية علمية تقيّم ما جرى؟
وكيف نضمن ألّا نعيد تدوير الأخطاء ذاتها أو نكرر مغامرات تلك القيادات التي دفعت الجنوب إلى ما نحن عليه اليوم؟
هذه الأسئلة ليست ترفًا فكريًا، بل واجبًا وطنيًا على النخبة الجنوبية أن تجيب عنه بجرأة ومسؤولية. فبدون هذه المراجعة، سنجد أنفسنا – مرة أخرى – في فخ «اليمننة»، حيث تُختطف القضية، ويضيع الوطن بين صمت النخب وتواطؤ المصالح.