ذبح عدن

2025-06-02 08:41

 

كنا ذات يوم من أيام 2004م، إن لم تخنِّ الذاكرة، حضرنا حفل غداء بمناسبة زواج نجل أحد الأصدقاء، فالتقيت بأستاذنا الكبير عطر الذكر هشام باشراحيل وكان بصحبته الأخ العزيز عيدروس باحشوان، لم أكن قد التقيت الأخ باحشوان منذ فرقتنا حرب 1994م، وعندما رأى هشام أن زميلنا باحشوان مرتبك بعد السلام على بعضنا قال لباحشوان، هذا محمد الموس ما عرفته؟ فقال باحشوان، بلى عرفته لكن لماذا تغير هكذا؟ فقلت له ضاحكا، هذا من آثار سياسة الإصلاح الباجمالية، فأضاف أبو باشا بأسلوبه اللاذع، ضاحكا، هذا من نتائج (الجرع).

 

كنت حينها أواجه أول هجمة للسكر، كفاكم الله المرض، وكما يحدث مع كل مرضى السكر فإن الهجمة الأولى تكون مؤثرة لأن مريض السكر لم يحسن صداقة السكر في بادئ الأمر.

 

كانت حكومة باجمال (رحمه الله) تقوم آنذاك بخصخصة مؤسسات الجنوب، والواقع أنها لم تكن خصخصة بالمعنى الاقتصادي ولكنه كان بيعا بثمن بخس تحولت معه كثير من المؤسسات في الجنوب إلى مجرد أراض وعقارات في سوق السمسرة وتحول معه الكادر الجنوبي بكل التراكم المعرفي إلى مجرد بشر زائدون عن الحاجة اشتهروا بتسمية (خليك في البيت).

 

وتحول ما تبقى من مؤسسات الجنوب إلى مجرد مكاتب ببطالة مقنعة تمارس إصدار (شتاتي) الرسوم والضرائب، فقد اختفت باصات النقل الداخلي التي كنا نضبط ساعاتنا على مواعيدها وتحول موظفوها إلى تحصيل شتاتي فرزة، من ملاك سيارات الأجرة، واختفى الأسطول السمكي الحكومي وكل كوادره وتحولت هيئات الأسماك إلى مجرد إدارة أسواق حراج تقتطع مصروفها من الصياد الفردي، وتحولت مصفاة عدن إلى مجرد خزانات لتجار الوقود، وقيس على ذلك في باقي المؤسسات الوطنية في كل الجنوب.

 

أما في عدن، على وجه الخصوص، فلم تشهد أي تحديث لبنيتها الخدمية منذ قال السلطان قابوس، رحمه الله، إنه يتمنى أن يرى مسقط مثل عدن، إذ لم تشهد تطويرًا لإنتاج الكهرباء سوى الكهرباء البخارية التي بناها السوفييت قبل أكثر من خمسين عاما، ومحطة بترو مسيلة التي لا يراد لها أن تعمل، وفي مجال المياه لم يتم إنشاء أي خزانات جديدة سوى الخزانات التي بنتها بريطانيا.

 

وفي مجال التخطيط العمراني فقد اكتمل تحويل عدن إلى غابة خرسانية تفتقر إلى أي مظهر مدني حضاري، فلا مساحات خضراء ولا ملاعب أطفال ولا مواقف سيارات، ولم نعد نسمع عن (مستر بلان) لعدن.

 

كل هذه الكوارث التي أصابت وتصيب عدن كان الكادر السياسي والإداري الجنوبي شريكا فيها، بوعي أو بدون وعي، فعدن كمدينة أصبحت على المسلخ ولن يغير حالها لا (عواجل) رئيس الوزراء ولا (طوارئ) الانتقالي، فالعواجل والطوارئ لم تجد حلا حتى لتشغيل الكهرباء ولا تنتظروا أن يأتي الوطن جنود من السماء يصلحونه إذا لم يقم بذلك أبناؤه.