العرف القبلي قانون يجب الحفاظ عليه واحترامه حتى مع وجود دولة النظام والقانون

2025-05-26 20:51
العرف القبلي قانون يجب الحفاظ عليه واحترامه حتى مع وجود دولة النظام والقانون
شبوه برس - خـاص - عتـــق

 

*- شبوة برس - عبدالله سعيد القروة

((عندما يتناقض الحكم العرفي مع احكام الشريعة الإسلامية القطعية (اي الأحكام التي لا يجوز الاجتهاد فيها) فإنه يصبح باطل)) قاعدة شرعية .. ولأننا مجتمع قبلي وفي ظل ضعف الدولة وفساد المحاكم فإننا بحاجة الى المحافظة على أعرافنا القبلية والاحتكام إليها مع مراعاة عدم مخالفتها لشرع الله قدر المستطاع. 

 

حافظت المجتمعات القبلية في بلادنا على تقاليدها واعرافها حتى في ظل الدولة القوية دولة النظام والقانون ؛ وكانت معظم القضايا البسيطة تحل خارج قاعات المحاكم والشرطة، بالعرف القبلي المتوارث.. 

 

تعريف:

الأعراف القبلية عبارة عن قوانين وسنن غير مكتوبة تحتكم اليها القبائل وتحترمها ايما إحترام، ولهذه الأعراف مرجعيات من كبار المشائخ والوجهاء يحتكم عندهم الأفراد في القضايا الفردية، والقبائل في القضايا القبلية، وهي بمثابة دستور ينظم حياتهم ويفصل في قضاياها وينظم العلاقة بينهم داخل القبيلة ومع القبائل الأخرى.

 

أثر العرف القبلي على الفرد :

لهذه الأعراف اثر في تصرفات وأخلاق الفرد، تحرم عليه بعض الأفعال المشينة التي تحط من قيمة مرتكبها مثل (العيب والسوادة). 

_ بعض الأفعال اذا ارتكبها الفرد تكون عيب في حقه وحق المجتمع وتبقى وصمة عار في جبينه .. مثل السرقة والنهب والتقطع وبعض الأفعال المذمومة الأخرى .

اما السوادة (سواد الوجه) فهي جرائم كبرى مثل (الغدر و قتل البطر وغدر رفيق الطريق والزنى) وغيرها، وتكون فيها الأحكام العرفية مغلظة وكبيرة ورادعة ..

 

العرف في قضايا الأرض :

 قضايا الأرض الزراعية مرجعها لأهل الخبرة من الفلاحين ولها أعراف خاصة مثل قسمة المياه والفواصل بين الأملاك وحدود كل ملكية، وتخضع للعرف السائد في كل منطقة نظرا لاختلاف الأعراف بين المناطق. 

 

الأحكام حسب الجريمة:

يختلف حكم مشكلة عن أخرى حسب جسامتها وأهميتها اذا كانت بسيطة بالإعتذار او تحكيم كبير العائلة وتنتهي المشكلة بعيدا عن انظار الناس.. وبعضها تحتاج إلى نوع من السرية وتحل بالعرف القبلي سرا بين الجاني والمجنى عليه لايطلع عليها احد .

اما القضايا الكبيرة تحتاج الى إجراءات منها نوصحها فيما يلي.:

كيفية التحاكم (او التقاضي) بالعرف القبلي:

تتم هذه العملية وفق خطوات معروفة لدى كل المرجعيات القبلية كالآتي:

 

1 - الوجهة: وهي ان يقوم الجاني (فرد او قبيلة) بالمبادرة بتقديم (عدل) ويسمى "علم وجه"، بيد شخص آخر لبس له علاقة بالقضية وهذا العدل يعتبر  قبول التحكيم، اما عند المجنى عليه ويسمى (صبر) او عند الثالث الحاكم ويكون باختيار الطرفين او الطرف المجنى عليه حسب القضية.

2 - كتابة (ساس) إتفاق تحكيم يوقع عليه الطرفان ويشهد عليه 2 شهود او أكثر ويسمى فيه الحاكم ويذكر فيه طلب ضمانة او تثقيل عدول (للعدلي) من اجل تنفيذ الحكم.

3 - الضمناء: يحضر كل طرف كفيل أو ضمين (صداد رداد مسرح مروح مشرف منفذ ماحكم به الحاكم بدون تأخير او تسويف). وهذه المصطلحات تؤكد ان الضمين ملزم بالتشريف للحكم وتنفيذه مهما كان دون قيد او شرط او مماطلة.

4 - لل (عدلي) الذي تسلم له العدول (علم الوجه) ان يطلب ما يريد من تثقيل للعدالة مثلا : له حق طلب سيارات او معدات او بنادق إضافية او ضمانات اضافة إلى ما ذكر، لكي يضمن قبول الطرفين الحكم كيف ماجاء وليس لهم الا القبول فقط.

5 - الحاكم وهو المرجع الذي يفصل في القضايا بحكم نافذ بموجب الأعراف المتوارثة والأسلاف القبلية السائدة بحيث لا يبتكر أحكام تخالف الأعراف و الأسلاف المعروفة في القبيلة او المنطقة حتى لا تكون سالفة مخالفة تسرح كعرف قبلي جديد خارج المألوف.

ما بعد النطق بالحكم:

بعد ان يقرأ الحاكم حكمه بين الطرفين على رؤوس الاشهاد بحضور جمع من الناس وعند انتهاء قراءة الحكم يقوم الجاني او من يمثله بتشريف الحكم بدون نقاش، وان رفض يقوم الضمين بتشريف وتوقيع الحكم نيابة عن الجاني ويعتبر توقيعه ملزم للتنفيذ لأنه (مشرف منفذ) ولا يستطيع المضمن رفض او منع الضمين من تشريف الحكم او تنفيذه. وبهذا تنتهي القضية.

كيف نحافظ على أعرافنا؟

الأعراف القبلية تتوارثها الأجيال وتنتقل من جيل إلى آخر كتقاليد يتعرف عليها الفرد في شبابه من خلال التعايش والسماع من الكبار ويمارسها في كبره كقانون يجب احترامه.. لذلك نرى انه من واجب الأسرة ان تعرف أولادها معنى العرف القبلي خاصة مع انتشار ثقافة اللابتوب والجوال والألعاب الإلكترونية، لأننا نرى ان كل القضايا التي تحدث في الوقت الحاضر يتصدر لها شباب لا يعرفون الأعراف ولا يقدرون نتائج جهلهم بها ويجلبون على انفسهم واهلهم المآسي و وتتحول تلك القصايا إلى ثأر يحرق الجميع. لذلك من واجب كل اسرة وضع ضوابط وخطوط حمراء يمنع تجاوزها من اي شخص سوا كان صغير او كبير وترك معالجة المشاكل للعقلاء والكبار ممن عركتهم الحياة وجربوها. 

خاتمة

مما ذكر فإن العرف القبلي دستور حياة وقانون يحدد حقوق الفرد والمجتمع ويحافظ على كرامة الإنسان وحريته وحقوقه فإن المحافظة على الأعراف القبلية تعتبر واجب مجتمعي.

العرف القبلي لا يظلم أحد من أفراد المجتمع سوا كان ينتمي لقبيلة او لا ينتمي، بل ان العرف القبلي يحافظ على حق (الضعيف) ويحميه ويعتبر التعدي عليه (عيب اسود) لأن ليس له قبيلة تحميه وتدافع عنه.. لذلك فنحن بحاجة الى التمسك باعرافنا وتقاليدنا حتى تأتي دولة النظام والقانون والشرع التي لا يظلم فيها احد.. وقد طال انتظارنا لها في هذه البلاد لكن الأمل في الله ان يمدنا بنظام يخاف الله فينا ويحكم شرع الله، ونخاف من نظامه و قوانينه وعقوباته حتى تستقيم قناتنا ونصبح مجتمع مدني يحترم بعضنا بعض.