حضرموت و أحجية "الحكم الذاتي"

2025-04-19 20:00

 

تكتسح المنصات والمواقع والمؤسسات الإعلامية جائحة اسمها "حضرموت" وقصتها مع موضوع "الحكم الذاتي"، هذا العنوان الذي انتشر كانتشار النار في الهشيم بعد انعقاد ما عُرِفَ بــ"اجتماع الهضبة" الذي دعا إليه الشيخ عمرو بن حبريش رئيس حلف قبائل حضرموت، والوكيل الأول لمحافظة حضرموت لشؤون الوادي والصحراء، الذي جرى تعيينه في هذه المهمة في صفقة معروفة بعيد استشهاد الشيخ سعد بن حبريش شيخ مشائخ قبائل لحموم ورئيس حلف قبائل حضرموت في العام 2013م علي أيدي قوات المنطقة العسكرية الأولى.

هذا الضجيج الإعلامي المفتعل تثيره بعض القنوات والمواقع الإعلامية التي تبتهج لأي حدث تعتقد أنه يشتت شمل الجنوبيين ويدفعهم إلى مواجهة بعضهم بعضاً، وتتقدمها قنوات ومواقع إسطنبول التي تتعامل هذه المرة وكأنها تكتشف "حضرموت" للمرة الأولى في تاريخها، أو كانها لم تسمع عن مفهوم "الحكم الذتي" إلا هذه المرة. 

في وقفة سابقة بعيد صدور البيان الصادر عن "اجتماع الهضبة" كان كاتب هذه السطور قد أشار إلى "إن المطالب التي يطرحها البيان هي مطالب كل الجنوبيين، وهي مطالب تتصل بالصراع مع السلطة المركزية اليمنية التي ما تزال هي المتحكم الرئيسي في صناعة القرار السياسي وفي السياسات الاجتماعية والاقتصادية على أرض الجنوب ومنها حضرموت" و"حول ما يتعلق بالسلطة المحلية، أو ما أسماه البيان بـ"الحكم الذاتي"، وهو أمر وارد في وثائق المجلس الانتقالي من خلال الحديث عن دولة جنوبية فيدرالية" فإن "المشكلة فيها تدخل ضمن الصراع مع الدولة المركزية اليمنية التي لم يبق تحت هيمنتها سوى مناطق الجنوب بعد أن سلب الحوثيون منها دولتها وأرضها وشعبها ومواردها وقرارها السياسي".

 

وهكذا فإن النظرة الموضوعية بعيداً عن المماحكة السياسية وسياسة دق الأسافين التي تتبعها المواقع الإعلامية التابعة لأساطين 1994م، تبين أن مشكلة حضرموت (إن جازت التسمية) ليست معزولة عن المشكلة الأم المتمثلة بــ"القضية الجنوبية" وصراع شعب الجنوب مع غزاة صنعاء القدماء والراهنين، في سبيل استعادة الدولة الجنوبية بحدود العام 1990م ومن ثم الشروع في صياغة المفهوم الجديد وفلسفة الحكم الجديدة في الجنوب التي تعني الجنوب الجديد المختلف كلياً عن جنوب ما قبل 1967م وما قبل العام 1990، وبالتأكيد ما قبل 2015م.

 

إن مفهوم "الحكم الذاتي" وهو إحدى صيغ نظام الحكم اللامركزي المتبع في الكثير من البلدان، أن هذا المطلب ليس فقط مطلب أبناء حضرموت دون سواهم، بل هو مطلب كل محافظات الجنوب.

الحملة الإعلامية التي تلت لقاء الهضبة وما تلاه من تداعيات تركز على جزئية واحدة وهي إن حضرموت لها مشكلة مع الجنوب، والمقصود بالجنوب هنا قضية الشعب الجنوبي في نضاله من أجل استعادة دولته ذات السيادة على أرضه بحدود العام 1990م وليست مشكلة مع حزب أو كيان أو مؤسسة أو حركة سياسية بعينها.

 

وليست مصادفة أن يتضاعف استخدام عبارة "حضرموت ليست جنوبية وليست شمالية" وهي عبارة مفخخة كل ما تعنيه هو سلخ حضرموت عن الجنوب، وليس عن الشمال الذي لم تكن قط جزءاً منه إلّا في أزمنة الغزو والاجتياح، لكن المضحك المبكي أن من يرددون هذه العبارة "حضرموت ليست جنوبية وليست شمالية" هم ناشطو الإعلام الداعم لغزاة 1994م وبعض الأقلام الجنوبية القليلة التي هللت ورحبت بغزو الجنوب في العامين 1994م و 2015م ومن هنا يمكن لصاحب أدنى قدر من الفطنة أن يدرك ماذا تعني هذه المقولة الخرقاء التي يرفضها أغلب أبناء حضرموت الشرفاء.

 

وخلاصة القول إن مطالب أبناء حضرموت هي مطالب كل الجنوبيين سواء ما يتعلق بها بسجب القوات الغريبة عن الأرض الجنوبية في حضرموت أو توفير الخدمات أو تسخير الموارد لتحسين مستوى معيشة أبناء المناطق والمحافظات، أو ما يتعلق منها بنظام الحكم الاتحادي أو ما يسمى بــ"الحكم الذاتي" الذي لا يمثل مطلباً تعجيزياً يمكن أن يكون مصدر نزاعٍ بين أبناء حضرموت وأبناء الجنوب عموماً لكنه يمكن أن يكون أحد محاور المواجهة مع غزاة 1994م، الذين يعتقدون أن بتسويقه والابتهاج به يضعون العصي في دولاب النضال السياسي للجنوبيين من أجل استعادة دولتهم.

لكن كل هذه المطالب لا يمكن أن تتحقق إلا بعد انجاز مهمة التحرير والاستقلال واستعادة الدولة الجنوبية، ولايس قبل هذا.