الدمج الذي أفرغ عدن من محتواها.. وأكمل تدميرها مناطقية الجبهة القومية

2025-08-21 11:19
الدمج الذي أفرغ عدن من محتواها.. وأكمل تدميرها مناطقية الجبهة القومية
شبوه برس - خـاص - عــدن

 

*- شبوة برس_ د. مروان هائل عبدالمولى

عارض أهالي عدن اندماج مدينتهم في اتحاد الجنوب العربي عام 1963، حيث اعتبروا هذا الاندماج تقويضًا لهويتهم وتهديدًا لاستقلالهم ، لأن عدن كانت مدينة عالمية تضم مختلف الأجناس لا يؤمنون بلغة السلاح، وتُدار بديمقراطية ترفض العنف والقرارات التعسفية، وتسعى دائمًا للحصول على إجماع المواطنين.

 

مع تمدد الجبهة القومية بعد الاستقلال إلى مناطق شاسعة من المحميات، تم استخدام أساليب غسيل الدماغ وشيطنة السلاطين والمعارضين ورغم شكاوى حضرموت إلى الأمم المتحدة، استسلمت في النهاية، وأصبحت جميع مناطق شرق ووسط الجنوب تحت سيطرة الجبهة القومية و في هذه الأثناء، وُزعت إعلانات على السكان تتضمن وعودًا بالحفاظ على العادات والتقاليد والدين، وهو إجراء شائع عند ضم أراضٍ جديدة.

 

انضمت هذه المناطق لاحقًا إلى الجمهورية الجديدة، وتم أمر السكان بأداء يمين الولاء للجبهة القومية التي سعت إلى خلق جو من الأمان والود والهدوء بين السكان، ومنحت أبناء المحميات امتيازات تفوق أبناء عدن في المناصب المدنية والعسكرية، وهو ما ظهر منذ البداية في قرار التأميم والقرار الجمهوري رقم 10لعام 1968 الذي فصل الكادر العدني من وظائفه العامة، بالإضافة إلى الاختفاءات القسرية للعديد من أبناء عدن الذين كانوا ينتمون إلى جبهة التحرير .

 

تم إرسال الكثير من أبناء المحميات السابقة إلى الخارج للدراسة ورغم العلوم والمعرفة التي اكتسبوها، إلا ان البعض عاد وهو لايزال يحمل مفهوم المناطقية والحزبية الضيقة وهو ما ظهر في أحداث يناير 1986، التي شارك فيها الكثيرون بناءً على أسس مناطقية وجهوية وحزبية أسفرت عن مقتل مسؤولين وكوادر ومن عامة الناس، ولم تعرف عدن العافية منذ ذلك الحين.

 

لعب بعض أبناء المناطق الشمالية القريبة من لحج وحتى تعز وصنعاء والحديدة، دورًا غير واضح في إدارة الدولة، بينما اندمج البعض منهم بشكل إيجابي في الدولة الجنوبية الوليدة، كان هناك آخرون لعبوا دورًا سلبيًا كارثيًا.

 

اليوم يعاني أبناء عدن الإقصاء والعزلة بسبب النزاعات المناطقية والسياسية وتكدس السلاح في أيادي مناطقية معينة، حيث يُهمش حضروهم و أصواتهم في اتخاذ القرارات، مما يزيد من الفجوة الاجتماعية والاقتصادية، العديد منهم يعيش في ظروف صعبة وغياب الخدمات الأساسية، الأمر الذي يزيد من حدة التوترات داخل التركيبة المجتمعية للمدينة ويعيق التنمية ويؤثر على المستقبل.

 

ليس سرًّا أن نشاهد البعض يسعى إلى تحويل عدن إلى منطقة تشبه قريته من حيث التعامل بالأعراف والسلاح وكالعادة أبناء عدن في وضع خارج سياق التاريخ والمشاركة السياسية، حتى على مستوى مدينتهم للأسف هذه المرة الوضع يزدهر بدعم إقليمي، الذي يرى في أبناء عدن مجرد"شغيلة حرب" بعد أن طالهم الفقر والجهل، بينما النخبة المختارة التي غالبيتها مناطقية تنفذ ولا تناقش.

 

إنها قصة مستمرة من النضال والبحث عن الهوية، حيث تبقى عدن وأبناؤها رمزًا للحرية والتنوع، رغم كل التحديات التي تواجهها.