لا فضل لكافر على كافر إلا بالأخلاق والعمل الصالح والقبول بالتعايش السلمي
لا فضل لكافر على كافر إلا بالرقي والتحضر والخُلُق الرفيع وبالعمل الصالح لخدمة الناس، والفصل في الاختلافات الدينية مُرجأ إلى يوم القيامة"
الكفر ليس مسألة مهولة خطيرة كما يتصور البعض، ولا يجوز أن يُصاب أحد الناس بالهلع عندما يجد أنه موصَّف ككافر عند إحدى الطوائف، فاللفظ (كفر) أصلا يدل على التغطية والستر المتكرر المستمر، وهذا اللفظ من الألفاظ الأصلية الذي ما زال موجودا في بعض اللغات الأجنبية ومن ذلك (Cover) في الإنجليزية و(Couvrir) في الفرنسية، والكلمة (غفر) هي قريبة أيضا من هذا المعنى؛ فهي تتضمن الستر والتغطية أيضا، فالمعنى الأصلي للفعل "كفر" هو التغطية والستر، ومنه اشتقت كلمة "الكفار" بمعنى المزارعين، ومن الكلمة الفرنسية اشتق الناس في مصر كلمة "كوڤيرته" بمعنى غطاء، ومن الألفاظ ذات الصلة الـ "الكَفْر" بمعنى المكان الذي يسكن فيه المزارعون.
وكل أتباع دين هم بصفة عامة كفار في نظر أتباع الدين الآخر، بل إن أتباع أي مذهب داخل أي دين قد يُعتبرون كفارا في نظر أتباع المذاهب الأخرى، وكل من سينادي بالإصلاح الديني سيكون كافرا في نظر أتباع المذاهب السائدة .... الخ، ولقد قال الرسول لقومه في حجة الوداع: "لا تَرْجِعُوا بَعْدي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقابَ بَعْضٍ"، ولقد ضرب بعضهم رقاب بعض، فالـ (الصحابة الأجلاء) كانوا بمقتضى (السنة) و(الوحي الثاني) كفارا عندما ضرب بعضهم رقاب بعض، والكفر هاهنا يتمثل في إنكار وتجاهل الأوامر الإلهية والتحذيرات النبوية.
وهذا الوضع المذكور لن يتغير أبدا، ولذلك فليس أمام الجميع إلا:
1. العودة إلى عصر الحروب الدينية والمذهبية الوحشية والطاحنة، وفيها يفقد الناس الأمن والرغبة في الحياة ويتمنون الموت للهرب من جحيم الدنيا.
2. التعايش السلمي بين كل هؤلاء الكفار، وأن يعتنقوا مبدأ: "لا فضل لكافر على كافر إلا بالرقي والتحضر والخُلُق الرفيع وبالعمل الصالح لخدمة الناس، والفصل في الاختلافات الدينية مُرجأ إلى يوم القيامة".
ويجب العلم بأن نتيجة سعي كل الداعين إلى الإيمان معلومة، وهي أن أكثر الناس لن يؤمنوا، قال تعالى: {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِين} [يوسف:103]
وأن أكثر من سيؤمن هم مشركون، قال تعالى: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُون} [يوسف:106].
وأن أكثر الناس سيكونون في جهنم: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (119)} هود
لذلك فلا جدوى من مناطحة الحقائق، ولا مناص من التعايش معها، ويجب ألا يفزع الناس من وصف بعضهم بالكفر، فمن هم مطهرون منه على المستوى الحقيقي قد لا تتجاوز نسبتهم 0.1%.