في مراجعة التراث الإسلامي
إن النفس دون جسد؛ لا وعيَ لها ولا شعور بها، وإن الجسد دون نفس؛ لا وعيَ له ولا شعورَ به، ويجب اجتماعُهما لحدوث ذلك.
وأقرب دليل هو أن الله لن يعذِّبَ الكفار بالنار دون أجساد، بل حتى جزء من أجسادهم – وهو الجلد – يحتاج تبديلًا بجلد جديد كي تعمل موصلات الألم (النساء، 56).
وعليه، فلا يصح أيُّ حديثٍ زُعِمَ فيه أن الميت يُعَذَّب، ولا حتى يسمع؛ لأن الجسد ميت، ولأن النفس لا تسمع إلا بجسد ذي جهاز سمعي (فاطر ، 22).
أما الوعي، فيمكن أن يخلق الله للبعض – استثناءً – وعيًا ما، ودليله وعي آل فرعون بعرضهم على النار تخويفًا لهم لا عذابًا (غافر، 45 – 46)، وكذلك عرضُنا - عندما كنا أنفُسًا فقط - على ربنا، وإشهادُه إيانا على ربوبيته وشهادتُنا بذلك (الأعراف 172).
والشهادةُ لا تستلزم النطق؛ لأن النطق غير القول، فقول السماء والأرض لله: "أتينا طائعين"، كان دون نطق (فصلت، 11)، كما أن النملة قالت - ولم تنطق - في قصة سليمان، فالنطق يحتاج جهازًا من حنجرة وحبال صوتية ولسان (النمل، 18).
وكذلك الذين قتلوا في سبيل الله، لهم وعي خاص، وهو وعيٌ برزقٍ هو الفرح والاستبشار، لا رزق الطعام والشراب، فهم أنفس لا تحتاج ذلك (البقرة، 154 - آل عمران، 169 – 171).
والنفس لا تشعر بسيرورة الزمن، فهي في زمن متوقف. فالذي مَرَّ على قرية خاوية على عروشها وأماته الله مئة عام ثم بعثه، ظن أنه مكث سويعات، وهو ظنٌّ وليس يقينًا، وإلا فهو لم يمكث إلا "صفرًا" من الزمن، فلا زمن بالنسبة للنفس (البقرة 259). والموتى يوم البعث يظنون أنهم كانوا رقودًا، والرقاد هو النوم الطويل (يس، 51- 52).
وعليه، فإن الإنسان ما أنْ تفارقَ نفسُه جسدَه؛ حتى يُنفَخَ في الصورة مباشرةً ليوم البعث، أي إن الزمن – شعورًا – متصل من لحظة الموت إلى لحظة البعث، ولا وجودَ بتاتا في القبر.
الآيات:
- (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَاب) النساء 56.
- (وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُور) فاطر 22.
- (وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ (45) النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَاب) غافر 45 – 46.
- (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا) الأعراف 172.
- (ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِين) فصلت 11.
- (حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُون) النمل 18.
- (وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُون) البقرة 154.
- وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (170) يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِين) آل عمران 169 – 171.
- (أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْم) البقرة 259.
- (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ (51) قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُون) يس 51 – 52.