(عادتي الغريبة في صلاة الجمعة)
قال لي: هل تصلي الجمعة؟
فقلت له:
وهل يُعتَبَرُ مَن ترك صلاة الجمعة كامِلَ الدين؟! وكيف ذلك وقد جاء اللهُ بها في كتابه المجيد بصيغة الأمر الصريح؟!
قال جَلَّ شأنُه:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون) الجمعة 9 - 10.
والفعلُ الذي لم يُسَمَّ فاعِلُه "نودي" أي: أُذِّنَ، والأذان لا يكون إلا من مسجد.
غيرَ أن لي عادة غريبة أفعلها وأنا في انتظار حضور مَن يسمَّى بالخطيب، وأقول: "مَن يسمى بالخطيب"؛ لأن السواد الأعظم الأعظم من خطباء بلادنا اليوم، لا يَعْدُون أن يكونوا آلاتِ قراءةٍ فاترةً وباردة، إذ يُخرِج أحدُهم ورقةً من جيبه، ثم يَشْرَعُ يقرأ بملل، والناسُ في المسجد تَخفق رؤوسهم نعاسًا وضجرًا.
أما مَن يستحق أن نسميه خطيبًا؛ فهو الذي يخطب ارتجالًا، وتراه ينظر إلى المصلين في ثقة، ويأتي بالآيات البينات بما يخدم موضوع خطبته، والأحاديث المشرَّفات، والحِكَمِ المأثورة، وأبيات الشعر الرصين مما يُستشهد به في مقامٍ كهذا.
وهو - بَدْءًا - قد جاء بأمرٍ يُهِمُّ المسلم ويَمَسُّ حياته بشكل كبير، وتراه متفاعلًا مع ما يقول؛ يرفع صوته إن كان ثَمَّ تنبيه، ويخفضه إن كان هناك نصح وإرشاد أبوي، وإن قرأ آيةَ عذابٍ كانت نبرتُه متوائمة مع هول العذاب، وإن تلا آيةَ بُشرى تَقاطَرَ البِشرُ من صوته، وإن أنشد بيتًا حزينًا كاد يبكي الحضور.
أما والأمر كما تراه ونراه جميعًا؛ فإنني أحضر إلى المسجد الجامع مبكرًا، وأتخذ مكانًا قَصِيًّا في أحد جنبات المسجد، وأقرأ ما تيسر من القرآن، فإذا ما صعد الإمام المنبر وارتقَى مُرتَقًى صعبًا ليس هو له بِكُفء؛ وضعت سماعات جوالي على أُذُنَيّ، وحلَّقت مع صوت أحد قُرَّائي المفضَّلين ممَّن يقرؤون القرآن وهم يشعرون به ويتلذذون، وأنا معهم من المتلذذين.
فإذا ما انتهى الإمام من هَذِّ ما في ورقته الصفراء من كلام أكثره لا ينفع، اصطففت مع المصلين مؤديًا ما كتبه الله عليَّ وأمرني به، ثم انصرفتُ إلى بيتي راشِدًا.