كثر الحديث مؤخرا عن إعادة إنشاء المراكز الدينية في مدن الجنوب ، وتكون هذه المعاهد مركزا لإستقطاب التلاميذ والطلاب من داخل الجنوب وخارجه وتعليمهم تعاليم دينية خالص تكون مرجعيتها المذهب السلفي فقط، وهذا المذهب المعروف عنه بأنه احد اكثر المذاهب تشددا وغلوا من خلال الممارسة او من خلال تعامله مع الآخر ، وهذا الآخر( كل الآخر ) يكون في صف واحد سواء كان آخر مسلم او آخر غير مسلم .
من الصعب تخيل تلاميذ جنوبيين يساقون إلى تلك المعاهد تحت سطوة اباؤهم الذين يعتقدون بأنها معاهدا قد تربي اجيالا مهذبة ومسالمة وفي نفس الوقت وفي ظل هذه الظروف الاقتصادية الصعبة قد يعتقد الأب ان هذا التعليم ارخص كثيرا من التعليم الحكومي الرسمي أو الأهلى ، ونظرا لأن تلك الجماعات الدينية السلفية لديها تمويل مادي جيد فقد تغريهم أكثر بإستقطاب الطلاب والانفاق عليهم الأمر الذي يسهل كثيرا على العوائل لإرسال ابناؤهم هناك.
في القرى وفي المناطق النائية هي مراكز مستهدف لتلك المعاهد، انهم ينتقون مواقعهم الجغرافية بعناية ، حيث ان تلك المناطق ينقصها التعليم والكثير من ضروريات الحياة، وايضا تلك المعاهد هي بعيدة عن مركز الدولة التي يمكنها مراقبتها، فما بالكم اننا حاليا نعيش مرحلة لا دولة ولا قوة مركزية، الأمر الذي يسمح لها بحرية كبيرة في نشر افكار تكون مخرجاتها خطيرة جدا على مستقبل الدولة ويدخلها في حروب ونزاعات تبعدها عن خط التنمية والإستقرار .
خطورة المعاهد الدينية ليست قائمة على نبوءة مستقبلية ، بل هي آتية من خلال تجارب ماضية وملموسة، تجارب قسمت المجتمع والعوائل إلى اقسام معادية لبعضها وتغلغلت داخل النسيج الثقافي والأخلاقي وفرضت رؤيتها المذهبية على المجتمع والمرأة والفن والشارع وارادت له ان ينساق كله خلف رؤيتها فقط.
تلك المعاهد التي تجعل من كتب دونت في القرون الوسطى منارة نحو الاتجاه للمستقبل هي ولا شك معاهد لن تقدم شيء مفيد، لأن ما كتب في تلك الفترة لا يمكن تطبيقه علميا او فلسفيا او منطقيا على العصر الحالي ، المجتمع والحياة تطورت بشكل كبير ومتسارع ، بينما هم واقفون هناك حيث كانت الرسالة الواحدة تستغرق شهورا حتى تصل إلى وجهتها، وحيث كان الناس ينظرون إلى العالم كأنه قسمين فقط أما دار سلم او دار حرب وهذا ما يخالف الواقع السياسي الحالي الذي يتعامل دوليا حسب مقتضيات المصالح، ناهيك ان فكرة الوطن والمواطنة هي مجرد هرطقات كفرية في نظرهم ، وان العالم كله مستباح لهم بقوة السلاح والجهاد.
الواقع يؤكد ان معظم الجماعات الدينية المتطرفة والدموية هي جماعات سلفية خرج قادتها من تلك المعاهد ،والواقع ايضا يؤكد بان هذه المعاهد ما هي إلا بؤر لإنتاج فكر معادي للمجتمع والمحيط وهو فكر قاسي جدا يبيح لنفسه استخدام العنف وكل ما يمكنه لإرغام الآخرين على اتباع منهجهم.
في حال تمكنت تلك الجماعات من إنشاء معاهدها الدينية ، فهذا يعني انه هناك من يقف خلفها ويدعمها في الحكومة الشرعية التي اصرت ان تتوزع تلك المعاهد في المناطق الجنوبية فقط ، وايضا ونظرا لأنها ستقام بشكل جماعي فهذا يدل على ان تمويلها الخارجي سخي جدا ، ولأنها تمول خارجيا فهي ستكون ضمن سلسلة دينية جهادية موزعة من افغانستان حتى مجاهل افريقيا.
لا اراهن على الوعي المجتمعي في الجنوب لمقاطعة تلك المعاهد، فما حدث من تجريف فكري بعد الوحدة جعلنا شبه عراة ونقبل اي رداء ديني مهما كان مشبوها، ولا اراهن على الحكومة الشرعية التي وكما يبدوا تتغاضى عن اشياء كثيرة تحدث على أرض الجنوب لأهداف خبيثة".
ادعوا إلى وقفة جادة إلى كل نشطاء الجنوب ومثقفيه لإسقاط هذا المشروع الخبيث الذي يسعى إلى تدمير ما تبقى لنا ألا وهي الاجيال القادمة والتي نعول عليها الكثير ، وإلا فأننا ولا شك سنغرق في ظلام دامس حقيقي .
*- مراقب جنوبي