*- شبوة برس - عين الجنوب
منذ حرب 1994 والأزمة المعاصرة، برزت قضية الجنوب كأحد العناصر الأساسية التي لا يمكن إغفالها عند الحديث عن تحقيق سلام شامل ومستدام. يعكس هذا التقرير تاريخياً وموضوعياً الأسباب التي تجعل الاعتراف بحق شعب الجنوب في تقرير مصيره أمراً حتمياً لإرساء سلام عادل ودائم، ويستند إلى الحقائق التاريخية، الثقافية، السياسية والاجتماعية التي تُثبِت أن استعادة استقلال الجنوب أو منحه حق تقرير المصير العادل هو الخيار المنطقي والضروري لخلق استقرار حقيقي ومستدام.
أولاً: لمحة تاريخية عن استقلال الجنوب
يتمتع الجنوب بتاريخ مستقل عن الشمال، وتحديداً منذ الاستقلال عن الاستعمار البريطاني في عام 1967، حيث تأسست جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية (لاحقاً جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية)، والتي كانت تتميز بنظام سياسي، واقتصادي، وثقافي منفصل عن شمال اليمن. استمرت هذه الدولة حتى عام 1990، حين تم توقيع اتفاقية الوحدة مع الجمهورية العربية اليمنية (الشمال)، إلا أن هذه الوحدة لم تتحقق كهدف عادل، بل سرعان ما تحولت إلى وحدة قسرية غلبت عليها السيطرة الشمالية وتهميش الجنوبيين.
ثانياً: انتهاك مبدأ الشراكة في الوحدة وتهميش الجنوب
بعد توقيع اتفاقية الوحدة، شعر الجنوبيون بأنهم تحولوا إلى مواطنين من الدرجة الثانية في دولة يسيطر عليها النظام الشمالي. شهد الجنوب تهميشاً ممنهجاً على الصعيدين السياسي والاقتصادي، كما فُرضت عليه سياسات أدت إلى تدهور أوضاعه الاقتصادية والاجتماعية. ولم يكن ذلك إلا البداية، إذ شنت القوات الشمالية حرب 1994 على الجنوب بعد إعلان فك الإرتباط من طرف القيادة الجنوبية. انتهت الحرب بإحتلال الشمال بالقوة على الجنوب، ما أدى إلى تفاقم الإحساس بالظلم وفقدان الجنوبيين أي ثقة في الشراكة مع الشمال، وبما أنها إتفاقية تم إنتهاك بنود الشراكة فيها بشكل صارخ، فقد أصبحت لاغية وغير مقبولة.
ثالثاً: مبررات حق تقرير المصير لشعب الجنوب
الحفاظ على الهوية والثقافة: يتمتع الجنوب بهوية وثقافة فريدة تميزه عن الشمال منذ العصور القديمة، وأدت الوحدة إلى تهديد هذه الهوية. يشمل ذلك ممارسات التمييز وتغيير التركيبة السكانية في بعض المناطق الجنوبية، إضافة إلى سياسات التجهيل والتجويع والتآمر والإقصاء التي مُورست تجاه الجنوبيين.
مظالم سياسية واقتصادية عميقة: عانت محافظات الجنوب من استغلال وفساد مستمر منذ حرب 1994، حيث تُنقل معظم عائدات هذه الموارد إلى الشمال. بالإضافة إلى ذلك، لم تمنح الحكومات المتعاقبة الجنوبيين تمثيلاً حقيقياً في صنع القرار إلا ما ندر، مما جعلهم يفتقدون لأبسط حقوقهم السياسية والاقتصادية.
إرادة شعبية واضحة: منذ عام 1994 ومحاولات المقاومة لم تتوقف حتى عام 2007 خرجت مظاهرات سلمية واسعة في الجنوب تطالب بحق تقرير المصير واستعادة الدولة الجنوبية. ومع مرور الوقت، ازداد الدعم الشعبي لهذه القضية، وتأسست كيانات سياسية من أبرزها المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي يمثل بشكل حقيقي تطلعات الجنوبيين لتحقيق استقلالهم.
رابعاً: أهمية الاعتراف بحق الجنوب في تقرير المصير لتحقيق السلام؛
لا يمكن فرض السلام بالقوة في الجنوب او عبر الالتفاف والتحايل على القضية، فالشعب الجنوبي لن يقبل بأي حلول لا تتضمن تحقيق تطلعاته في تقرير المصير. فيما يلي أبرز الأسباب التي تبرز أهمية هذا الاعتراف:
استقرار المنطقة: يمثل الجنوب موقعاً استراتيجياً على طرق التجارة الدولية، وأي اضطراب داخلي يؤثر سلباً على أمن المنطقة بأسرها. الاعتراف بحق الجنوبيين في تقرير مصيرهم سيعزز الاستقرار المحلي ويمنع استغلال القوى الخارجية للحالة المضطربة في الجنوب.
عدالة القضية: لا يمكن تحقيق سلام حقيقي ودائم دون الاعتراف بمعاناة الجنوبيين وحقهم في اختيار مستقبلهم. إن تجاهل مطالبهم العادلة سيؤدي إلى تعميق الأزمات واستمرار النزاعات، إذ ستظل روح الثورة حية في الجنوب إذا لم يُمنحوا حقهم المشروع دون إملاءات تنم عن مصالح خارجية.
تعزيز الثقة والتعاون: الاعتراف بحق تقرير المصير سيبني الثقة بين الجنوب والشمال، وقد يمهد الطريق لتعاون مستقبلي بين دولتين مستقلتين بدلاً من فرض وحدة قسرية تزيد من التوتر.
دروس من تجارب دولية سابقة: أثبتت العديد من التجارب الدولية أن الحلول القسرية التي تفرضها الدول على المناطق التي تطالب بالاستقلال أو تقرير المصير لا تؤدي إلى الاستقرار. أمثلة مثل انفصال جنوب السودان عن السودان، واستقلال كوسوفو، سوريا ومصر تُظهر أهمية الاعتراف بحقوق الشعوب لتجنب النزاعات الطويلة.
خامساً: مطالبات الجنوبيين وحقهم في الاستفتاء
يشدد الجنوبيون على أن الحق في تقرير المصير لا يعني بالضرورة استقلال الجنوب، بل يُترك الخيار للشعب ليقرره من خلال استفتاء حر وشفاف برعاية دولية. يهدف هذا الاستفتاء إلى تحديد مستقبل الجنوب من حيث الاستقلال أو إقامة نوع من الاتحاد، لكنه يجب أن يستند إلى إرادة شعبية حقيقية وليس إلى حلول تُفرض من الخارج.
إن تجاهل حق الجنوب في تقرير مصيره يعني تجاهل جوهر الصراع في المنطقة، ويعد هذا الاعتراف ضرورة استراتيجية وليس خياراً إذا كان العالم يسعى لتحقيق سلام دائم وشامل. ومن دون هذا الاعتراف، ستظل قضية الجنوب مصدر للتوتر وعدم الاستقرار في الجنوب والمنطقة بأسرها.
لذا، ندعو المجتمع الدولي والشرعية اليمنية وجميع الأطراف المعنية إلى احترام هذا الحق المشروع، والعمل على تمكين الجنوبيين من اختيار مستقبلهم بحرية. فالجنوب لن يقبل بعد اليوم بأي حلول غير عادلة، ولن يكون هناك سلام حقيقي إذا لم تُحترم حقوقه وتطلعاته العادلة والمشروعة.