إن من الظلم والجحود تناول الماضي ومنعطفاته بمعزل عن ظروف المكان والزمان وحجم التآمرات ومتطلبات مواجهتها وقت ذاك ما لم يكن ذلك لغرض الإستفادة من العبر والدروس وحسب:
لقد وقعت الجبهة القومية/ وقع الحزب الإشتراكي في المحذور حين تم استبعاد شركاء النضال الوطني الأمر الذي انعكس على وحدته السياسية والتنظيمية الداخلية طالما كانت تناقضات فئات المجتمع واختلافاته قد افتقدت -لمتنفسها- تعبيراتها السياسية في الشراكة وعبَّرت عن نفسها على صورة منعطفات ودورات عنف مؤسفة أنتجت تمزقاً في النسيج السياسي والتنظيمي للجبهة القومية/ الحزب الإشتراكي وفي النسيج الإجتماعي والوحدة الوطنية الجنوبية أيضاً وإذ وقعت القيادة الجنوبية في مايو ١٩٩٠م في المحذور إياه حين ذهبت للتصالح والتوحد مع الآخر قبل التصالح التوحد مع الذات الجنوبية وإغلاق صفحات الماضي وتضميد جراحاته فقد استفاد الطرف الشمالي من هكذا ثغرة واستغلها واشتغل عليها في حرب صيف عام ١٩٩٤م من خلال مواجهة الجنوبي بأخيه الجنوبي واحتلال الجنوب وتدمير دولته ونهب الجمل بما حمل، ثم أدار ظهره لذلك الجنوبي وتعامل معه كجنوبي لا فرق «الغاية تبرر الوسيلة» فيما استخدم بعض الشماليين الذين كانوا قد تغلغلوا في المؤسسات العسكرية والأمنية الجنوبية من «الجبهة الوطنية» بعد أن استوعبهم في مؤسساته العسكرية والأمنية وتعامل معهم شماليين واستفاد منهم في هذا الجانب ضد الجنوب بحكم معرفتهم وخبرتهم.
وعلى صعيد الحاضر هناك تسوية سياسية يراد لها تهميش قضية شعب الجنوب وحقه في استعادة دولته إن لم يكن استبعادها والتعامل معها كملحق والإبقاء على الجنوب في وضع اللا دولة طمعاً بثرواته ومساحته وأهمية موقعه الجيوسياسي الذي يسيل له لعاب قوى محلية وإقليمية ودولية وفي سياقه استبعاد المجلس الإنتقالي وإخراجه من المعادلة السياسية وحيث يمكن قراءة ذلك من خلال:
محاولة افتعال أزمة اقتصادية وحياتية ومعيشية وخدمية لغرض إخضاع وتركيع شعب الجنوب للقبول بأية حلول تأتي بها التسوية السياسية وتجزئة وتمزيق الجنوب من خلال مشروع الإقليمَين الشرقي والغربي وتفقيس مكونات وتشكيل تكتلات وأحلاف وتحريك ورقة الإرهاب الجنوب فقط ساحته وقواته المسلحة والأمنية دون غيرها هدف فضلاً عن تشكيل قوات عسكرية واستيعاب جنوبيين لمواجهة الجنوبي بأخيه الجنوبي وحيث كل ذلك يأتي في سياق فصول مؤامرة مكتملة الأركان ولا ريب في ذلك.
إن لدى شعب الجنوب ما يكفي من التجارب الكفاحية على مر التاريخ قاوم الإحتلال وأدواته ونتائجه ودافع عن استقلاله وسيادته الوطنية وحقه في الحياة الحرة والعيش الكريم في رحاب دولته وحتماً سينتصر في وجه المؤامرة طالما استوعبت القيادة السياسية ممثلة بالمجلس الإنتقالي تلك العبر والدروس وحساسية المرحلة وخطورة المؤامرة ومتطلبات النهوض بالحاضر ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب والإنتباه للإختراقات «لا يُلدغ المؤمن من جحر مرتين» وتأمين الوصول إلى المستقبل وبادرت بتأسيس وقيادة جبهة وطنية جنوبية عريضة من مختلف ألوان الطيف وعلى قاعدة الجنوب لكل وبكل أبناءه ويتسع للجميع ومن لم يأت إلينا سنذهب إليه وتحت سقف هدف التحرير والإستقلال واستعادة الدولة.....
*- بقلم اللواء/ علي حسن زكي