من أكثر معوقات بناء الدولة في العديد من البلدان النامية، التصورات البالية السائدة في تلك المجتمعات، من حيث الاعتقاد ان الحكم موضوع حصري قاصر على بعض الأسر أو السلالات أو العشائر، وأن بمقدور هذه الفئات وحدها قيادة البلدان، بينما غيرها عاجز وفاشل، بل ان الأمر هذا قد صار مغطى في أحيان كثيرة بغلاف ديني، حيث يذهب البعض من هؤلاء للاعتقاد بإن مساعدة هذه الفئات وتمكينها من الصعود إلى السلطة أمر إلهي ينبغي ألا يُحاد عنه، ومعارضته كفر وخروج عن الدين، وكل تلك التصورات تتناقض كليا مع ما أتت به العلوم الحديثة، التي تؤكد على تشابه أفراد الجنس البشري في القدرات والمواهب والاستعدادات، وفي مختلف بقاع الأرض. لذلك أضحت بلداننا مختطفة من أكثر الجماعات جهلا وتخلفا وانتهازية، وأسيرة لهذه الأفكار الخاطئة، فآلت أوضاعها إلى ماهي عليه اليوم من جهل وتخلف واقتتال.
بناء الدولة تتطلب نشر الوعي في أوساط المجتمع، ورفض الخرافة، والتخلص من العصبيات الضيقة، وعلى رأس ذلك العصبية القبلية، والقضاء على التمييز بمختلف أشكاله، والتأكيد على الهوية الكلية أمام الهويات الفرعية، التي ينبغي ان تظل بأقل فاعلية.
لا يمكن الحديث عن دولة، في مجتمع يفاضل بين أفراده علئ اعتبارات عرقية ومذهبية، ويمنح امتيازات للبعض عن الآخر في الاستيلاء على المال والموارد العامة، دون أي وجه موضوعي.
تتعارض مصالح القوئ الانتهازية مع قيم الدولة المدنية الحديثة، التي تضع حدا لتلك المصالح غير المشروعة، فتسارع تلك القوى في تكوين تحالفات مع بعضها لإفشال مشروع الدولة الرامي لإرساء مبادئ العدل والمساواة بين أفراد المجتمع الواحد.
هناك صراع لا يتوقف سعيره بين دعاة الدولة المدنية الحديثة، وبين قوى الدولة العميقة التي تعتمد في تسويق مشروعها اللاوطني على تكريس الجهل والخرافة، وتغييب الوعي الحقيقي للمواطن.
*- بقلم: د. وليد ناصر الماس