كان المرحوم علي سالم اليافعي من الشخصيات الشهيرة التي تربعت على عرش مملكة شوارع جعار ومغامراتها الليلية منذ منتصف الخمسينيات حتى نهاية سبعينيات القرن الماضي .
جاء من يافع الى جعار في السنوات الأولى من تأسيسها وكان يافعا مقطوعا من شجرة ، وعاش وتزوج فيها حتى توفاه الله .
كان الناس يعرفونه باسم علي سالم بايع القات ، وكان خليطا من الصفات المتناقضة ؛ يكون أحيانا طيبا في غاية الطيبة ، وأحيانا عنيفا في غاية العنف ، ويكون أحيانا رحيما الى أبعد حد ، وأحيانا جبارا بلا حدود ، ويكون أحيانا حكيما ورزينا ، وأحيانا مستهترا في غاية الاستهتار يخترق كل القيود المجتمعية ولا يضع اعتبارا لأي شيء سوى مزاجه ورغباته ، ويكون أحيانا مناضلا وطنيا ضمن خلايا الثوار ضد المستعمر ، وأحيانا أخرى روفلا من روافل السوق يؤذي هذا ويصفع ذاك ويحيك المقالب حتى للمصلين داخل بيت الله .
لقد كان شخصية إشكالية ، ورجلا محكوما لمزاجه فقط ، يفعل ما يشاء ، متى يشاء ، وحيثما يشاء غير أنه كان شخصية محبوبة وصاحب شعبية كبيرة في مدينة جعار ، أينما تراه يسير في المدينة فستراه محاطا بشلة من الناس كأنه زعيم .
ذات مرة في نهاية السبعينيات تقريبا كنت خارجا من المسجد ، ورأيته وهو يهرول من اتجاه سوق القات القديم بجانب جامع جعار ، وكان يمسك في يده شيئا ما ، وخلفه جمع كبير من الناس يضحكون ، ويقولون حرام .. حرام يا علي سالم الرجال با يموت ، وعندما اقترب في اتجاهي ، سمعته وهو يقول : المجنون قطع ذكره !!! ، فركزت على الشيء الذي كان في يده ، فإذا به فعلا ( ذكر المجنون ) الذي كان يتحدث عنه ، فابتعدت عن طريقه الى داخل المسجد واستمر هو في التقدم الى السوق والناس يلحقون به ضاحكين ومتوسلين ، وفي اليوم الثاني عرفت أن الشرطة سجنته ، وأسعفوا المجنون الى مستشفى المخزن ولكنه مات بسبب النزيف .
كانت هذه الصورة العنيفة والقاسية هي صورة من مزاج علي سالم اليافعي ، ويقابلها صورة أخرى في غاية التناقض رواها لي أخي الأكبر مهدي محمد ناصر حدثت في وسط سوق جعار في منتصف خمسينيات القرن الماضي .
قال مهدي : في أيام طفولتي ويفاعتي كنت ، وكان من هم في سني ، نخشى ثلاثة عتاولة في جعار عندما نأتي الى السوق وهم ، المرحوم علي سالم ، والمرحوم حسين عمر الصبيحي ، والثالث الابن الأكبر للمرحوم صالح الحاج الناخبي وأظن أن اسمه علي ، كنا نراهم متبطرين ، وممكن أن يتقطعك أحدهم وسط الطريق ويأخذ اللي في يدك ويرميه في الأرض شبعة بطرة ، ويا ويلك لو طلعت نخس !!!!
ولكن في مرة من المرات كنت في السوق ، وشفت واحد رجال معه حمار شكله تعبان وهزيل ، ومحمل عليه حاجات كثيرة فصعت ظهره فصع ، وصدفة مر علي سالم وشاف حالة الحمار ، فاعترض الطريق ، وصاح فوق صاحب الحمار : حرام عليك ياخي .. ليش تحمل الحمار هذا الحمل كله ؟ خاف الله ارحمه .
قال صاحب الحمار : ارحمه كيف ؟ قده حمار للحمول
قال علي سالم : خفف عليه ، ونزل بعض الحاجات ...
ولكن صاحب الحمار تعامس ، فظل علي سالم يفاوضه من أجل أن يرحم الحمار وتنزيل الحمل من على ظهره ، وصاحب الحمار لم يقتنع ، ثم قال علي سالم :
طيب .. اسمع ياخي
قال صاحب الحمار : أيش معك ؟
قال علي سالم : با تبيعني الحمار بعشرة شلن ؟
وكانت العشرة شلن مبلغا كبيرا حينها ، والحمير بشلنجين أو ثلاثة شلن أو بالكثير خمسة شلن ، فلما سمع صاحب الحمار كلمة عشرة شلن وافق على الفور ، فقال له علي سالم :
هيه انفل سامانك
فأنزل الرجل سامانه من على ظهر الحمار ، وسلم حبل الحمار لعلي سالم واستلم منه العشرة الشلن ، فقام علي سالم وفك الحبل من رقبة الحمار ، وأطلقه في الشارع وهو يقول :
هذا الحمار حماري ، لا حد يمسه ولا يقربه ، واللي باشوفه وإلا اسمع إنه تعرض له فالله شله .. الله جابه
الله يرحمك يا علي سالم اليافعي