معاناة أبناء عدن وكل الجنوب... هل لها ما يبررها أم إنها تتم بفعل فاعل؟

2024-06-12 11:12
معاناة أبناء عدن وكل الجنوب... هل لها ما يبررها أم إنها تتم بفعل فاعل؟
شبوه برس - خـاص - عــدن

_____ 

*- شبوة برس - عيدروس نصر

بعد شهر ستكون قد مضت تسع سنوات على حسم الموقف العسكري في عدن ومحافظات الجنوب بهزيمة المشروع الانقلابي (الحوث-عفاشي) واستعادة المقاومة الجنوبية الإمساك بزمام الأمور في عدن وقبلها الضالع ثم بقية محافظات الجنوب التي وصل إليها الانقلابيون فجرى تحريرها تباعاً، ثم تسليم حصيلة هذا الانتصار للسلطة الشرعية التي كان على رأسها في ذلك الحين الفريق عبد ربه منصور هادي ونائبه خالد محفوظ بحاح.

فماذا تحقق للشعب في المناطق التي تم تحريرها، وهي عملياً محافظات الجنوب؟

للأسف الشديد كل ما تحقق بعد هذا الانتصار الجنوبي العظيم هو المزيد من الانهيارات المتواصلة في الحياة الاقتصادية والمعيشية والخدمية والمدنية عموما في كل ما يتصل بحياة الناس في المناطق المحررة (التي رفض الحكام أن يسموها بمناطق الجنوب)، والسؤال هو: هل لهذا التدهور وما تمثل فيه من انهيارات متسارعة في حياة الجنوبيين ما يبرره من الأسباب الموضوعية العصية عن الحل أم إن العامل الذاتي والرغبة السياسية هما من يقف خلف هذا التدهور المريع والمعانات المريرة المتواصلة التي يعيشها الجنوبيون في عدن وغير عدن؟؟

لن أتوقف طويلاً عند تصريح الأخ عبد الملك المخلافي ـ حينما كان نائباً لرئيس الوزراء ووزيراً للخارجيةـ والذي قال فيه ما معناه إن هناك اتجاهاً سياسياً يرى أن تنمية مناطق الجنوب قد يؤدي إلى تنامي نزعة الانفصال لدى الجنوبيي، لكنني لا بد أن أشير هنا إلى أن حضور العوامل الموضوعية في هذه اللوحة القاتمة لا يكاد أن يصل إلى العشرة بالمائة من التأثير على مجمل مكونات هذه اللوحة أما بقية الأسباب فتعود إلى السبب الذاتي المتمثل في أن من يصنع القرار السياسي في تركيبة الشرعية بالأمس واليوم هو نفس مطبخ العام 1994م، وكل التغيير الذي حصل هو إعادة ترتيب مواقع قطع الشطرنج السياسي، فلم يتوقف التدهور حتى عندما كان الرئيس هو ابن الجنوب وخريج المدرسة السياسية والعسكرية الجنوبية، أقصد هنا الرئيس عبد ربه منصور هادي، وأجزم بكل قناعة أن عدم التغيير لم يكن بسبب أن الرئيس لا يريد وقف التدهور أو لا يرغب في إحداث عملية تحسين في مستوى معيشة الناس أو الشروع في إعادة الإعمار، ولكن لأن الرئيس ظل مخطوفا من قبل مراكز القوى سواء وهو في صنعاء أو بعد نزوحه إلى عدن ثم استقراره في الرياض، وقد جاء الانقلاب عليه في إبريل 2022م ليقطع الطريق نهائياً على أي رهان يمكن أن ينعقد على أي دور يلعبه الرئيس (الجنوبي) في خدمة الجنوب وأبنائه، وليست صدفة أن يؤتى بديلا عنه برئيس له سجله المعروف مع الجنوب والجنوبيين، فقد أريد أن يكون الرئيس هو أحد أعمدة القمع المتواتر ضد أبناء الجنوب طوال فترة الانتفاضة السلمية (2007م-2015م) التي يعرف الجميع ماذا عانى خلالها الجنوبيون من القمع والتنكيل والقتل والاعتقال وتلفيق الاتهامات والمحاكمات الصورية للنشطاء السياسيين الجنوبيين، حينما كان فخامته على رأس المؤسسة الأمنية القمعية المكرسة كلية ضد الجنوب والجنوبيين، 

وخلاصة القول: 

إن معاناة أبناء الجنوب اليوم ليست بسبب شحة الموارد أو نقص الإمكانيات أو حتى استمرار حالة الحرب، وإنما تمثل سياسةً مرسومة بإتقان ودقة من قبل مراكز القوى السياسية والأمنية التي سلمت أراضيها وموطن أهلها ومساقط رؤوس قادتها إلى الجماعة الحوثية ونزحت إلى الجنوب لا لتبحث عن ملاذات آمنة ولكن لتتحكم في حيوات أبناء الجنوب بعد أن لم تجد من تحكمهم في بلادها.

وخلاصة الخلاصة:

لن ينجو الجنوبيون من عذابات حرب الخدمات وسياسات التجويع إلا عندما يتولوا إدارة زمام أمور بلادهم بأنفسهم والاستغناء عن الحاكم المستورد الذي لا تربطه بالجنوب والجنوبيين سوى نزعة الكراهية وذكريات القمع والتقتيل والتنكيل بأبناء الجنوب، والجنوبيون ليسوا قاصرين سياسياً حتى يستوردوا حكاماً من بلدٍ شقيق وبلادهم تمتلك الثروات والموارد الاقتصادية وتزخر بالقادة السياسيين والعسكريين وتكتظ بالكفاءات العلمية والمهنية والإدارية والاقتصادية والقانونية والدبلوماسية ممن حورب أصحابها طوال فترة ما بعد الاجتياح البغيض في العام 1994م.

برقية:

في ضوء منشور سابق على صفحتي هذه راسلني بعض الشباب معبرين عن عزمه تكون إطار سياسي جنوبي على طريق ما أسموه بالــ"تصحيح" طالبين رأيي الشخصي، فكان ردي باختصار شديد بأنه لا يوجد ما يمنع أي عدد من المواطنين الجنوبيين من التجمع في إطار سياسي جنوبي يصب عمله في خدمة القضية الجنوبية، مع التنبيه لخطورة أن تتحول الساحة السياسية الجنوبية إلى حلبة عراك بين شركاء القضية الواحدة والهدف الواحد.

وكما كا كان رأيي منذ وقت مبكر في التأكيد على أهمية التنسيق بين مختلف المكونات والمنابر السياسية الجنوبية على إقامة التحالف العريض الذي يحشد كل طاقات الجنوبيين نحو تحقيق الهدف الجنوبي الأسمى وهو استعادة لدولة الجنوبية بحدزدها التاريخية المعروفة، وعدم الانجرار إلى الدخول في أية مواجهة مع أي إطار سياسي جنوبي وخصوصاً المجلس الانتقالي الجنوبي الذي ما يزال يمثل فرس الرهان لكل الجنوبيين، وهذا بطبيعة الحال لا يمنع من ممارسة النقد البناء مع مؤسسات الانتقالي وكوادره بعيداً عن التشهير والتجريح والتشويه الذي لا يخدم إلا إعداء الجنوب والقضية الجنوبية.