بعد أن اقنعته بصعوبة أنني من عدن جنوب اليمن وليس هوثي من صنعاء التي ينظر لها أنها منطقة قبائل متخلفة لا وجه لمقارنتها بعدن، وفق كل الاعتبارات؛ عبر البروفيسور الهندي المتخصص بزراعة الأسنان وأحد أبرز أطباء جراحة الفكين والزراعة بالهند والفخور بانجازه أكثر من ١٢ الف عملية زراعة أسنان ناجحة طيلة مشوار حياته السبعينية، عن اندهاشه من قدومي من عدن الى الهند لزراعة أسنان، بينما عدن أعرق وأكثر تطورا وازدهارا تجاريا وتعليميا وطبيا من الهند و كل دول المنطقة، كما يعرفها وزارها بنفسه في ستينات وسبعينات القرن الماضي، حيث كانت مدينة ترانزيت عالمية للتجار والسياحة وملتقى استراحة للتجار والبحارة القادمين إليها بحرا وجوا من مختلف دول المنطقة كمحطة ترانزيت إلى أوربا والعالم..
حيث أخبرني اليوم بعد انتهاء ثاني جلسات ضبط قياس أسناني التجريبية المؤقته انه كان هو وبني جيله من الشعب الهندي والميسورين والطلاب المبتعثين لأوروبا، ينتقلون من بنجلور وبقية الولايات الهندية إلى مومباي للتحرك منها الى عدن بحرا او جوا على متن طائرة واحدة كانت تمتلكها الهند يومها مقابل اسطول طيران بعدن وأخرى لشركات أخرى كانت تبيت وتقلع في كل يوم بعدة رحلات من مطار عدن إلى لندن والعديد من دول أوروبا والعالم خلافا للهند التي لم تكن لتمتلك يومها كدولة أي طيران بإستثناء تلك الطائرة الهندية الاولى التي كان يمتلكها الملياردير الهندي الاغنى (موكيش امباني) المولود بعدن اليمن عام ١٩٥٧م وأغنى رجل اليوم بقارة آسيا والذي أقام قبل أيام أكبر حفل زفاف أسطوري في العالم لاصغر أولاده، باكثر من مائة مليون دولار وحضور أكثر من ١٢٠٠ مغن عالمي، ومائة طائرة لنقل الضيوف، بعد تم اصبح اليوم اغنى أثرياء الهند ويمتلك أكبر اسطول طيران هندي عالمي تابع لشركته بعد أن كان رابع أولاد والده الذي عمل موظف بمحطة وقود بعدن، حسب الجزيرة نت وقبل أن يتولى قيادة مجموعة شركات والده المتوفي ٢٠٠٢م ريلانيس اندستريريور، المتعددة الجنسية.
وتحدث البروفيسور السبعيني بكل حسرة ومرارة، عما أصاب مدينة عدن الهادئة وأهلها المسلمين المسالمين.. وكيف كان هو وبني جيله الهنود ينبهرون بتطور الحياة فيها حينما يصلونها برا وبحرا كمحطة ترانزيت لا بد منها، لأي مسافر هندي وغيره يرغب في السفر الى بريطانيا أو أوروبا عموما، بل واخبرني باعجاب أنهم كانوا يشعرون بأنها كانت قطعة من لندن منذ الستينيات والسبعينات وينذهلون من جمال مباني شارع مدرم المعلا وفنادق المدينة ومنها فندق عدن والشيراتون وفندق كريسنت الهلال وغيرها من معالم عدن التاريخية كالصهاريج وقلعة صيرة وغيرها
وتحدث ايضا بنبرات وملامح حزينة عن كيفية تزاخم السفن التجارية على ميناء عدن الاستراتيجي وشركات طيران العالم على مطارها الذي قال انه كان لا يعرف الراحة والهدوء او التوقف عن رحلاته العالمية طوال أيام الأسبوع مثله مثل طوابير السفن في الميناء أيضا..
والأهم .. ان البروفيسور لم يصدق أو يتصور حجم الدمار والعبث الذي حل اليوم بعدن.. وكيف قتلت الحركة الملاحية بمينائها ورحلات الطيران من وإلى مطارها، واقتصار الرحلات اليوم على شركة طيران محلية واحدة فقط عي اليمنية، بدلا من عشرات الرحلات القادم والمغادر من مطار المدينة العتيقة التي كانت تمثل ترانزيت التجارة والسفر والسياحة ونموذج النهضة والتقدم والتعليم والتعايش الديني على مستوى المنطقة برمتها، ولا وجه لأي مقارنة بينها والهند أو دبي او أي دولة أخرى، سواء بالخليج أوبالمنطقه عموما، حسب اصراره المستميت على رأيه في مدينة عدن التي انصدم وأصيب بحسرة وخيبة امل لا يمكنني وصفها بعد ان أخبرته ببعض النزر القليل من جوانب الصورة السوداء القاتمة التي تعيشها المدينة اليوم وكيف دمرت الحرب معظم معالمها وأخرجت فندق عدن وكريسنت والصخرة وشيراتون وميناء السواح وابرز معالمها عن الخدمة، بعد اغتيال المدينة سياسيا من قبل النظام السابق باليمن، وعدم الاكتفاء بشل حركتها منذ بدابات صراعات الرفاق الدامية في الجنوب مع مطلع الثمانينات، وقبل قصف وتدمير أبرز معالم المدينة جوا وبحرا من قبل التحالف لهد تدخله عسكريا لوقف كغامرة مليشيات الحوثي التي حاولت احتلال المدينة مجددا عام ٢٠١٥ فهزمت شر هزيمة، وتدخل طيران التحالف العسكري بقيادة السعودية والإمارات وقصفوا تلك المعالم والفنادق وكل واجهة سياحية وتراثية جميلة بعدن، وعادوا لانكار علاقتهم حتى لا يتنصلوا من واجباتهم الأخلاقية والقانونية في إعادة اعمار ما خلفته حربهم وغاراتهم على المدينه وتاريخها وتراثها كانتقام تدميري مدروس من كل جميل كان فيها وغيرها من المدن اليمنية الرازحة تحت وطاة الحرب والاقتتال المستمر للعام التاسع تواليا، وقبل أن يأتي حكامها الانتقاليين الجدد اليوم ليعيدوها إلى عصور الغاب وزمن اللا دولة..
تنهد الرجل من أعماق قلبه وهو يسمع جيدا لصديقي المترجم أحمد سراج وهو يحاول بكل مهاراته اللغوية الواسعة، أن يجمل له كافة الجوانب الممكنة للصورة السوداوية البائسة لحال عدن الغارقة اليوم في الفوضى والتبعية وغياب الدولة ومؤسساتها..
ثم قال بكل حسرة: ولماذا العربي المسلم يدمر اخوه العربي المسلم المسالم بعدن.. ولماذا يسكت اهل عدن ويقبلوا بتدمير مدينتهم الهادئة واعادتها إلى هذا الحال البائس لتنهض وتنشط مدن أخرى بالمنطقة، على حسابها، وهي التي يفترض أن تكون ترانزيت العالم والمنطقة بحكم موقعها الاستراتيجي وتجربتها، بدلا من دبي الإماراتية التي قال أنها نهضت على حساب عدن وتدميرها وتعطيل موانئها الأهم بالمنطقة وعلى طريق التجارة العالمية.
ولماذا لا يكون لأهل عدن الطيبين المسالمين البسطاء الرافضين للعنف والفوضى الحق في إدارة مدينتهم بدلا من أي اجنبي يأتي ليعطل بلدهم ويدمر مؤسساتهم ومعالمهم وتاريخهم ويستنزف مواردهم...
ثم يتوقف البرفيسور فجأة ليسأل عن حال كنيسة القديسة ماريا المعروفة بالمجلس التشريعي بكريتر عدن ،وكنيسة راس مربط بالتواهي وما كان حولها من مسجد ومعبد يهودي ونواد واستراحات ليلية في الجهة المقابلة، باعتبار ذلك أكبر دليل على مستوى التعايش المجتمعي والحرية الدينية التي عرفتها المدينة العتيقة مند عقود طويلة من الاستعمار البريطاني الذي قال إنه كان يعتبر عدن جزءا من عاصمته لندن ولم يقلل من اهتمامه بتطويرها، كما كان اهتمامه بتطوير لندن،لولا اجبارها بالاخير على التخلي عنها تحت ضربات الثوار الجنوبيين الذين انقسموا سريعا على من يحكمها وسرعان ما انفجرت حروب أهلية مدمرة بينهم على من يتولى حكمها، عقب رحيل ذلك المستعمر البريطاني منهآ بعد حوالي ثلاثين عاما من رحيله من الهند التي لم تكن اي مدينة فيها يومها بمستوى التطور الموجود بعدن انذاك. وفق تأكيده الجازم.
والخلاصة :
كم كان ودي ان يكون معي قادة الزيف وساسة التدمير والارتهان ليسمعوا معي ولو لبعض كلام البروفيسور ويتابعوا حسرته وهو يتحدث بقهر عما حل بمدينة عدن،حتى تصبح هكذا ..وكيف لهم أن يقبلوا باستمرار تدمير مؤسساتها وتعطيل موانئها واغتيال حركة الملاحة والتجارة فيها وهم المحسوبين أهلها أوحكام أمرها
وكم كان بودي أكثر، لو أنني تمكنت من توثيق حديث الدكتور وهو يتحسر على حال مدينة من كل اعماق قلبه و لمجرد أنه زارها واعجب بها وبطيبة أهلها، وبعد ان نزل فيها مرات عدة ترانزيت وتجول اياما بشوارعها في صباه وشبابه..وماذا لو كان من أهلها الذين قال بكل فخر أن منهم الكثير من يرتبطون اليوك بزواج ومصاهرة ونسب مع الهنود بمختلف الولايات الهندية.
#ماجد_الداعري