بدون ادنى شك، وحتى لدى الأطراف الاكثر تشاؤما وريبة، فان التقارب السعودي الايراني له من الحسنات اكثر بكثير مما قد يجلبه من سيئات، ان كانت له سيئات اصلا.
هذا التقارب سيوفر كثير من الطاقات والامكانات التي كانت تسخر للمواجهة في البلدين، المملكة وايران.
صحيح ان التنافس على الزعامة الاقليمية سيبقى قائما، لكنه سيأخذ طابع التنافس السلمي بدلا من التنافس العنيف.
هناك كثير من ميادين التنافس بين البلدين يمتد في الهلال الشمالي من العراق حتى لبنان، لكن اخطر هذه الميادين هو ما يقع في خاصرة المملكة العربية السعودية جنوبا، في اليمن تحديدا.
لا نذيع سرا إذا اشرنا الى ان لكل من العرب وايران اذرع وحلفاء، في البلد الواحد كما لكل من الطرفين حلفاء دوليين.
فيما يخص شأن الحلفاء في اليمن فقد التقى كمال خرزاي وزير الخارجية الإيرانية السابق، رئيس المجلس الاستراتيجي للعلاقات الخارجية الإيرانية مع عضو المكتب السياسي للحوثي عبد الله هاشم السياني، وفق إعلام إيراني.
وبحسب موقع "جاده إيران" فإن خرزاي قال إن "بلاده مستعدة لتقاسم الخبرة السياسية التي طورتها إيران خلال أربعة عقود مع الحوثيين".
هذا يعني ان الطرف الايراني لن يتخلي عن اذرعه وحلفاءه في المرحلة المقبلة، وانه بالقدر الذي كانوا فيه جزء من التنافس العنيف فانهم سيبقون جزء من التنافس السلمي الذي يمكن ان يتحول إلى العنف في وقت ما.
على الجانب العربي، وتقع المملكة العربية السعودية على رأس هذا الطرف بوصفها تمثل فرس الرهان كزعامة عربية فأننا نرى نوع من التفريط في حلفاؤها في اليمن بل والسماح بنشؤ بؤر صراع كما حدث في الجنوب خلال السنوات منذ ٢٠١٨م وما تلاها.
لسنا هنا في وارد التشكيك في قدرات العقل السياسي الجمعي للمملكة، لكن من الواجب التذكير بأن الجنوب العربي يقع على شريط بحري يبلغ طوله (2300) كم، يمر فيه 30% من نفط العالم و 20% من تجارته يوميا، ويقع فيه مضيق باب المندب كأهم منفذ بحري بين شمال الكرة الارضية وجنوبها.
عالم متعدد الاقطاب قادم لا محالة، وهذا التعدد يمنح قدر من الاريحية للقوى الاقليمية الصاعدة لتشق طريقها دون وصاية من القطب الواحد الذي تسيد المشهد منذ سقوط سور برلين في ١٩٨٩م، وهذه القوى الاقليمية ستجد صيدها السهل في المناطق الرخوة بفعل التفريط والتفخيخ الذي يحولها الى بؤر صراع يخرجها من دائرة الحليف الى كونها مجرد فريسة لقوى اخرى منافسة.