بدأت تتكشف حقيقة مؤتمر الحوار والغرض منه, حصحص الحق مع بدء ظهور بعض الخرجات, وخصوصاً في فريق بناء الدولة.
هناك من يحاول لجم المتحاورين من خارج المؤتمر, وهناك من ينفذ تلك السياسات داخله, وباعتقادي أن لجنة التوفيق هي بيت الداء, تلك اللجنة التي تجاوزت كل صلاحياتها وبدأت في الاستحواذ التدريجي على صلاحيات فرق العمل عبر عدة وسائل, سأناقش في هذا المقال ما يتعلق بفريق بناء الدولة.
صوت الفريق بنسبة 84 % مع المادة التي تنص على أن " الشريعة الاسلامية المصدر الرئيسي للتشريع ", كما صوت الفريق وبنسبة 97,5% على أن " تشغل النساء نسبة لا تقل عن 30% في المجالس التشريعية المنتخبة ويضمن القانون تحقيق هذه النسبة ", ورفع المقترح الأول المتعلق بالشريعة الى لجنة التوفيق لأنه لم يحصل على نسبة 90 % المطلوبة للإقرار المقترح في الجولة الأولى من التصويت, وكان يفترض أن تحاول لجنة التوفيق تقريب وجهات النظر بين الأعضاء ليتوافقوا على رأي يحظى بالتسعين في المئة, واذا فشلت في ذلك يطرح النص للتصويت من جديد واذا حظي بنسبة 75 % يعتبر قراراً ملزماً, لكن ما حصل أثبت أن المؤتمر والمؤتمرين لا قيمة لهم أمام القوى المسيطرة على المشهد السياسي والمهيمنة على لجنة التوفيق, فقد تجاوزت لجنة التوفيق صلاحياتها عبر مناقشة المادة مع ان النظام الداخلي اعطى اللجنة صلاحية التوفيق لا الاقرار أو المناقشة, لان ذلك من اختصاص فريق العمل, و لجئت اللجنة الى حيل كثيرة للالتفاف على صلاحية فريق بناء الدولة و ذلك عبر مماطلتها في التوفيق بين الأعضاء أو إعادة الموضوع الى فريق العمل ليطرح من جديد بحسب النظام الداخلي, و الهدف من المماطلة هو اضاعة الوقت حتى تنتهي المهلة أمام فريق بناء الدولة وتبدأ الجلسة العامة الأخيرة ويضطر الجميع للقبول بالأمر الواقع واقرار ما تتوصل اليه لجنة التوفيق.
أعضاء فريق بناء الدولة يستميتون لإعادة الموضوع الى الفريق للتصويت عليه من جديد, ولجنة التوفيق تماطل وبشكل فاضح وتتجاوز صلاحياتها ودون أي تدخل من رئاسة المؤتمر, وعندما زاد ضغط الفريق لوحت لجنة التوفيق أنها ستحيل الموضوع الى رئيس الجمهورية ليفصل في الموضوع, وتلك مخالفة واضحة ايضاً لضوابط الحوار التي تنص على ان الاحالة للرئيس لا تتم الا بعد طرح الموضوع للتصويت الثاني في حالة انه لم يحظى بنسبة 75 %.
هناك حرج لدى بعض احزاب اللقاء المشترك مثل الاشتراكي والناصري, فقد تعرضوا لضغوط شديدة من قبل الاصلاح للتصويت بحسب ما ورد في رؤية الانقاذ الوطني, اضافة الى ذلك صدرت العديد من الفتاوى الدينية التكفيرية ضد فريق بناء الدولة و يظهر أن ذلك قد سبب رعباً لدى بعض المنتمين للمشترك خوفاً من تكرار سيناريوا الاغتيالات التي حصلت في تسعينات القرن الماضي, لذلك تداعت احزاب اللقاء المشترك مجدداً واقروا الرضوخ لتلك التهديدات و العودة الى صيغة رؤية الانقاذ, مما سبب حرجاً شديداً لدى الاشتراكي والناصري عند قواعدهم لأنهم سيظهرون أنهم تراجعوا بسبب تلك الفتاوى لا بسبب الاتفاق السابق, لأن الاتفاق له عدة سنوات وكان يفترض ان يتم الالتزام به في الجولة الأولى من التصويت وليس في الجولة الثانية بعد فتاوى التكفير والتهديد بالتصفية ونشر لائحة بأسماء أعضاء الفريق وصورهم على النت واباحة دمائهم.
ان تراجع الاشتراكي والناصري سيقوي الجناح المتطرف داخل الاصلاح ويجعلهم يتباهون أن تهديداتهم هي التي اعادة الحزبين الى رشدهم وليست رؤية الانقاذ الوطني, كما أن ذلك سيدفعهم الى استخدام نفس الأسلوب في كل المعارك القادمة.
اضافة الى ما سبق فإن الاشتراكي سيصاب بخسارة فادحة في شعبيته وفي تحالفه مع القوى المدنية لأنه سيتركهم بمفردهم في مواجهة قوى التطرف عبر تراجعه عن التصويت في الجولة الثانية.
واذا ما عدنا الى المادة المتعلقة بالكوتا النسائية والتي تم اقرارها بتوافق مريح فقد بدأت الأيادي الخفية في التشكيك في تلك النسبة عبر عدة وسائل ليتم اعادة التصويت من جديد ومن ثم احالتها الى لجنة التوفيق و يتم تكرار نفس سيناريو المادة المتعلقة بالشريعة, وكل ذلك يثبت لنا أن الحوار مجرد ديكور لشرعنة المرحلة المقبلة لشركاء الحكم.
عندما يتغلب 16 % على 84 % من أعضاء فريق بناء الدولة فإن ذلك يفرغ مؤتمر الحوار من معناه مهما حاولت لجنة التوفيق أو رئاسة المؤتمر التستر على تلك الفضيحة السياسية التي أضاعت معنى الحوار ورأي الأغلبية الساحقة.
يجب أن يقف الجميع وقفة جادة ومسؤولة أمام أنفسهم وأمام الوطن ويفضحوا تلك الممارسات ولا يكونوا مجرد واجهة لمراكز القوى التقليدية القبلية والعسكرية والدينية لتعيد انتاج نفسها عبر شرعية الحوار الوطني.
كما أن على الحزب الاشتراكي اللحاق بالقوى المدنية وعدم تركها وحيدة فريسة سهلة لقوى التطرف, لأن ذلك سيصيبه في مقتل في المرحلة القادمة, خصوصاً عندما يتنصل شركائه في المشترك عن الكثير من تعهداتهم كما تنصل الاصلاح عن كثير من التعهدات المتعلقة بالشراكة الوطنية واستحوذ منفرداً على أغلب التعيينات والتجنيد والوظائف في مؤسسات الدولة منذ تشكيل حكومة الوفاق, فهل يظل الاشتراكي ملتزماً باتفاقاته النظرية في ظل تنصل الاصلاح عن أغلب اتفاقاته وبشكل عملي عند التطبيق, هل يلدغ الاشتراكي من جحر مرتين ؟
هل يعي الاشتراكي ان اقرارهم للمادة المتعلقة بالشريعة بصيغة الاخوان يجعل كل مواد الحقوق والحريات التي تم اقرارها عرضة للطعن فيها والغائها أمام المحكمة الدستورية بحجة أنها تناقض الشريعة الاسلامية – بحسب مفهوم البعض - التي تعتبر في الدستور هي مصدر جميع التشريعات وخصوصاً أن الاصلاح بدأ في حملة منذ أكثر من عام لأخونة القضاء, هل نسي الاشتراكي كيف تم نسف دستور الوحدة ؟
ثم إن رؤية الإنقاذ الوطني صيغة لمرحلة فات وقتها, وتغيرت الظروف السياسية كثيراً منذ كتابتها, فقد كان الهدف منها لم الشمل لمواجهة صالح, أما اليوم فحزب صالح يصوت مع القوى المدنية وينتصر لدستور 90م, والمشترك هو من يجرنا الى دستور 94م.