طلب جار لجحا يوما استعارة حماره لقضاء حوائج له فقال له:
إنه ليس في الزريبة. ولم يكد جحا ينتهي من كلامه، حتى ارتج المكان بنهيق منكر للحمار. التفت الجار إلى جحا، وقال: ماذا تقول؟ قال جحا: أتكذبني وتصدق حمارا؟ !!
هذه القصة تروي دجل السياسيين. وجحا أصبح مثلا شعبيا رائجا، لأنه يعبر بصدق وعفوية عن الواقع. وجاء في المثل: كذب المنجمون ولو صدقوا، ومنجمو الوقت الحاضر هم السياسيون. فهم يقربون البعيد ويبعدون القريب فلا يعول عليهم. ومن صدق سياسيا فلا يلومن إلا نفسه.
والشعوب، يكذب بعضهم على البعض، بل إن الجماهير، في كل مكان، تتوقع من السياسيين ان يكذبوا ويكذبوا في كل شيء، وترد الجماهير المقهورة المكذوب عليها بشعارات متملقة كاذبة تمدح فيها القادة بما ليس فيهم وتخلع عليهم صفات لا يستحقونها، بل ويكتبون فيهم الأشعار والقصائد، مع علمهم بأنهم أقل من ذلك وأنهم لا يستحقون ما يضفونه عليهم من الصفات كما يحدث هذه الأيام في اليمن وبعض الدول العربية التي تمردت على كذب الرؤساء والسياسيين الذين عندما ينفضح أمر أحدهم ويقع في شر أكاذيبه ولم يجد من يفديه حتى بحذائه ويساعده في الخروج من ورطته، وذلك لأن الكذب في السياسة حبله قصير وأنه كالشعر "أعذبه أكذبه" كما قالت العرب قديما.. كذب يتعلمه السياسيون كما تؤكد بروتوكولات حكماء صهيون على ذلك وأنه: "على السياسي أن يكذب و يكذب ويكذب حتى يصدق نفسه فيصدقه الناس"، وذلك لأن الناس في الغالب تغفر للسياسيين كذبهم !!
والسياسة عند الكثيرين فن لمن يجيد الكذب، والضحكة الصفراء، والبيع في أول منعطف. وهي غباء بيد الرجل المستقيم الصدوق النافع الأمين الذي يجد نفسه تائها في دهاليز الكذب والنفاق والتلون واللعب على كل الحبال، والذي قد لا يصبح مشهوراً أبدا. لكن يصير محترماً ومحبوباً من جميع معارفه. وذلك لأنه في السياسة لا يشار بالبنان إلا لمن اتسعت أكاذيبه السياسية وكانت الأسهل تصديقا والأنجح والأكثر رواجاً، خاصة حينما يستهدف المواطنين البسطاء والعاطلين الذين لا تتجاوز أحلام بعضهم مبلغاً بسيطا من المال ولعلنا بعد ما تقدم نستطيع القول بأن السياسيين يكذبون لإسعاد شعوبهم فيسمعونها ما يسعدها وتطرب له وتتقبله بصدر رحب، لأنها في الواقع تحب من يكذب عليها، وهي من يشجع السياسيين على الكذب بالتظاهر بتصديقهم حتى تنموا لديهم ما نسميه بالشعور بالأنانية السياسية!!
ويُعدُّ جوبلز وزير الدعاية النازية وصاحب الشعار الشهير "أكذب، أكذب، أكذب حتى يصدقك الناس" أحد أبرز المدافعين عن ثقافة الكذب والخداع والتضليل، وهو القائل "أعطني إعلاماً بلا ضمير، أعطك شعباً بلا وعي".
وهكذا يصبح الكذب ثقافة يومية يمارسها السياسي دفاعاً عن مصالحه وأهدافه الخاصة، ولكنه يوهم مناصريه بأنه يدافع عنهم وعن مصالحهم. ويحمل الكذب معاني التضليل والغش والتزوير والتزييف والدهاء والحيلة وإخفاء الأسرار والغدر والمكر والمراوغة والمناورة، إلى جانب تبرير فعل شائن، أو تلميع صورة، أو إخفاء فضيحة.
فانتشار الكذب في دولة مثل اليمن سيدمّر كيانها، ويُضعف من استقرارها وأمنها الداخلي مهما كان التذرّع بأن الكذب هو نبيل أو أبيض . فالكذب كيفما تمّ تجميله أو تشذيبه أو تبريره يبقى هو الكذب والسياسة لعبة قدرة فلا تبنى على المصداقية ولا ترتبط بالقوانين الدولية لكن مع ذلك فإن الغرب أكثر مصداقية في تعاملاته السياسية وإن تشابه الصراع على السلطة بينه وبين التكتلات الأخرى وفي مقدمتها نحن العرب !!
ولذلك فإن أكبر دولة في العالم وهي أمريكا لا يتصارع على رئاستها سوى حزبين اثنين لا ثالث لهما ولا يحكم من يحكم في الغالب إلا بفارق ضئيل من أصوات الناخبين ، ولا تعتمد وسائل الدعاية الانتخابية لكل مرشح على الأكاذيب بقدر اعتمادها على البرامج الواقعية والحقائق ، لذلك قد يتم مهاجمة الرئيس مثلا عبر وسائل الإعلام دون إلصاق التهم الكاذبة ، وعندما يتم إثبات التهم بالأدلة والبراهين فإن الاستقالة ستكون أخف ضررا من الإسقاط وما هو أكثر من ذلك .
السياسيون في اليمن اليوم يتهمون بعضهم بعضا بتهم متعددة من قاتل إلى إرهابي إلى داعشي ومجرم وسارق وخائن وهكذا.
وإذا اعتبرنا أن التهم صادقة من الطرفين أو من عدة أطراف متصارعة ، فكيف لهؤلاء أن تسند لهم قيادة دولة ؟ أما إذا كانوا يعتمدون على الكذب لغرض الوصول للسلطة على حساب تشويه الطرف المنافس ، فإن المصيبة أعظم وسواء صدقناهم أو كذبناهم فلن يعودوا أهلا للأمانة ولتحمل المسؤولية مع الفارق بيننا وبينهم فهم يحتكمون الى صناديق الاقتراع بينما نحن نحتكم الى فوهات البنادق !!
د . علوي عمر بن فريد