انا لا احبذ الكلمات النابية حين اكتب، فالجدال بالتي هي احسن امرنا به رب العالمين، جل شأنه، ومع اني أقر بحق من يقول بأن الصوت الهادئ لا يسمعه احد، فأني اتفق مع من يقول ان بعض الألم يشبه ألم مبضع الجراح الذي يتبعه الشفاء، بإذن الله.
لا نستطيع الجزم بأن الدكتور رشاد العليمي لا زال مسكون بذهنية رجل الأمن الذي كان يستخف بدماء أبناء الجنوب منذ بدايات الحراك السلمي الجنوبي، لكن الاستخفاف بالقضية الجنوبية واعتبارها شأنا ثانويا ينم عن إرث ذهني قديم.
ولأن الشيء بالشيء يذكر فأن الدكتور رشاد العليمي يعلم، وقادة اخرون من الشمال، انها قد تمت الاستعانة حتى بالتنظيمات المتطرفة لاستهداف نشطاء الحراك الجنوبي، وهو أمر لم يعد خافيا على احد، فقد كشف عن ذلك غير مصدر موثق، وهو يؤكد استخفاف الأشقاء بدماء أبناء الجنوب واعتبارها (ثمنا مناسب) حسب مادلين اولبرايت وزيرة الخارجية الأميركية في عهد بوش الإبن خلال حصار العراق.
اثارت تصريحات د العليمي ردود افعال جنوبية مختلفة ومتفاوتة القسوة وهي ردود افعال مبررة على تصريح مستفز، على ان ما يثير الاستغراب هي الحملة المسعورة من قبل الاصوات الشمالية في الشتات مستهدفة القضية الجنوبية والمجلس الانتقالي الجنوبي بصورة منفلتة ومتناغمة وكأنها محددة ساعة الصفر للهجوم على الجنوب وأبناءه وقضيتهم.
لسنا بصدد محاكمة الماضي بمعطيات الحاضر، لكن العقول المتحجرة بحاجة الى التحرر من الإرث الذهني الموروث، والتعاطي مع متغيرات الحاضر، فالقضية الجنوبية لا يمكن تجاوزها، ويعلم د العليمي وكل جوقة اليمن الشقيق ان نظام الرئيس صالح فشل في قمع ثورة الجنوب السلمية برغم قوة ادواته القمعية وطاقات جوقة التطبيل المصاحبة لهذا القمع.
واقع اليوم يشي بأن كل جوقة الشتات اليمني ليس لها في العير ولا في النفير فهي مجرد ابواق لا تؤثر على مجريات الحرب، ولم تستطع حتى خلخلة الحاضنة الشعبية والمخزون البشري الذي تستند اليه السلطة في العربية اليمنية.
حتى ان أحدنا يستغرب عن اي وحدة يتحدثون ومع من؟ هل يريدون الشراكة في الوحدة بمجهودهم، حسب لغة الحرفيين، فالسلطة والارض والقرار في اليمن بيد الحوثي وهو الاولى بالحوار الجنوبي معه، فكل الاطراف تحاوره ما عدى نحن اصحاب الارض في الجنوب.
السلطة التي نتجت عن مشاورات الرياض لم تستطع احداث اي تغيير في الواقع، ود رشاد العليمي اصبح صانع ازمات اكثر من كونه صانع تناغم، وهذه صفة كارثية في قائد يخوض حربا.
الرهان على خلخلة العلاقة مع اي من اطراف التحالف او محاولة التكسب السياسي على حساب علاقة الجنوب بالتحالف رهان خاسر فمحيطنا الجغرافي العربي يفرض أولوياته، وعلى الاشقاء الشماليين في الشتات ان يبرهنوا بقدرتهم على احداث التغيير في العربية اليمنية ليكسبوا ثقة الجوار والعالم، ويتركوا الجنوب وشأنه فله شعب يقرر مصيره بالوسائل التي يجيدها.
عدن
٢٧ فبراير ٢٠٢٣م