تتشابه عدن وبيروت في واقع المأساة فكلاهما تقبعان تحت سلطة الفساد والقهر السياسي وكلاهما تسيران معاً في طريق طويل كذلك الطريق الذي سلكه المسيح عليه السلام عابراً درب الآلام بكل ما في ذلك الدرب من الأوجاع.
في ذاكرة العرب تذكر بيروت أنها باريس الشرق وعدن درة التاج البريطاني بهذه الصفة تتداخل السرديات والحكايات عما مضى وكان من الجمال والمعرفة والأهم من القانون والنظام الذي كان يكتسي المدينتين الساحليتين، ذلك في الذاكرة وفي الخيال كثير من البذخ فيما تتداوله السنوات المطوية.
في بيروت كما في عدن بؤس اللحظة الراهنة وأن كانت لحظة طويلة المدى فالمدينة المفجوعة منذ توسد حزب الله في ضاحيتها الجنوبية قبل أن تفجع القلوب بتفجير أودى بحياة رفيق الحريري فتلك حادثة غيرت وجه بيروت فإذا بها شاحبة منذ ذلك النهار، الحقيقة أن ما حدث لم تكن حادثة اغتيال سياسية بل هي اختطاف الحاضر وكذلك المستقبل للبلاد وأهلها فلم تغادر الحادثة المدينة بسكانها الذين مازالوا يعيشون كرهائن عند حزب الله فتعطلت مداميك بيروت ولم تعد صالحة لغير النفور والهجرة أو الموت كمداً.
تقابل عدن بيروت في سابقة أبعد تاريخاً فلقد وقعت ضحية للقادمين من العصور البعيدة بتقاليد وأعراف قبائل القرون الوسطى المتحالفين مع قوى راديكالية متعصبة ومتعطشة للقتل والدمار فغزت المدينة وبالأعراف المتوارثة تحولت لغنيمة حرب فاستبيحت وأهدر فيها الدم ولم يعد فيها من عاصم فكما رأى الزاحفين على المدينة أن أهلها كفاراً ملاحدة كان للأمريكيين في حرب صيف 1994 عيونهم التي رأت عدن بأنها الأرض الشيوعية الأخيرة التي يجب اسقاطها.
كان ذلك تاريخاً صنع واقع الحال في تبادل الشقاء والعناء وتقاسم الأوجاع فلم تكن تلكم الصورة التي تلت الهجوم الصاروخي على مطار عدن عندما ظهرت من بين الركام والرماد الفتاة اللبنانية العاملة في الصليب الأحمر وهي تتكأ على كتف الجندي الجنوبي غير لقطة تختزل سرديات الماضي وتوثق اللحظة كما هي تماماً، فحتى أن تحرير عدن في 2015 بقي نصف تحرير فلم ينجز المشروع السياسي بتحقيق فك الارتباط تماماً فعلت بيروت ولبنان بعد ثورة ١٧ تشرين التي دفعت باتجاه إجراء الانتخابات النيابية لتسقط بعضاً من الكهول ولم تسقط كل الطبقة السياسية المعطلة للحياة.
نصف الشيء لا ينهي المعاناة بل يزيدها بؤساً فكما انجزت عدن النصف فعلت بيروت فتحت ذرائع متعددة تتوقف الشعوب عن إنجاز ما عليها إنجازه، تحت ضغط المبررات المدفوعة بالمخاوف والمحاذير العابرة عبر العواصم الغير عاصمة للجوع والخوف والأمراض تظل عدن وبيروت مجرد رهائن في زنزانة ظالم بعمائمه وجلبابه وسياطه التي لا تعرف الرحمة، ففيما عدن تحررت من المحتل الحوثي في 2015 إلا أن الخطوة التالية ظلت مفقودة فلم يتم بلورة الانجاز العسكري سياسياً بإتمام فك الارتباط عن صنعاء كاستحقاق واجب للا خلاص، كذلك فعلت بيروت تماماً فلم تسقط الانتخابات البرلمانية كل الطبقة السياسية الفاسدة.
التماثل بين عدن وبيروت يستدعي استقراءات لواقعية الحصاد فلن تنجح كل استدعاءات التاريخ البراقة لتبرر أبدية المعاناة التي تدفعها الشعوب دونما استكمال الخطوات الأخيرة للانفكاك والتحرر ثم الانطلاق فيما كانت فيه تتنافس العواصم العربية في بغداد ودمشق والقاهرة قبل أن تصاب بلوثة الإسلام السياسي واستحكام النظم الديمقراطية المعوجة القائمة على المحاصصة وتغليب القوى القبلية والممتلكة للسلاح في توظيف اللا منطق في ديمقراطية كرست الفشل السياسي فتراجعت الفكر والإبداع الإنساني العربي مع القادمين من أدغال التاريخ ليطفئوا أنوار الإشعاع ويرفعوا مكانها شعارات للمقاومة فاستبدلت الحياة بدعوات الموت.