بعد نكسة يونيو 1967 اعتبرت جماعة «الإخوان» أن ما أصاب مصر والدول العربية في حرب الأيام الستة هو عقوبة إلهية نزلت على أنظمة الحكم لموقف الأنظمة من الجماعة وأفكارها باعتبار أن «الإخوان» موكلون من الرب ليقودوا الأمة بعد نهاية الحكم العثماني.
موقف الجماعة عبرت عنه من خلال من يسمّوْن الدعاة الذين كانوا يجوبون المقاهي والمجالس العامة بالإضافة لمنابر المساجد والمدارس وغيرها من التجمعات.
لم تتوقف حالة التنمر تجاه أنظمة الحكم السياسية ولعل نظام الحكم المصري كان الأكثر تعرضاً لتلكم الحملات العدائية برغم أن ما تلا ثورة 1952 كان نظاماً مسانداً لحركات التحرر الوطني العربي، إلا أن الجماعة كانت في خصومة شديدة مع الزعيم جمال عبدالناصر، وتعمقت الخصومة من خلال الحملات العدائية المثارة.
التنمر السياسي ليس ظاهرة طارئة على المجتمعات العربية، بل أزمة مستدامة بوجود تيار كان ومازال وسيظل معتقداً أنه يمتلك الحق الحصري في السلطة والرأي. فهذا بلاء وقع بالناس مع هذه الجماعة، التي تفرعت منها وعنها جماعات وأفكار لم تغادر ذلك المسار المحتقن الحانق والغاضب والكاره.
تلازم التنمر مع مسار الدولة الوطنية العربية فجعلت كل نوازل البلدان على أنها عقوبات ربانية، وكأن الذين أصيبوا من الناس بتلك النوازل سواء أكانت زلازل أو فيضانات هم في خانة الخصوم، فكيف بالجيوش وقوات الأمن وحفظ النظام والوزارات التي يأتمر موظفوها بنظام الحكم مباشرة، فهؤلاء ينجر عليهم ما على السلطة من سليط ألسنة دعاة الجماعة وأتباعها. مع نهاية سبعينيات القرن العشرين وصعود تيارات الإسلام السياسي، تزايد التنمر السياسي بشكل واسع، نظراً لانتشار وسائل الإعلام عبر (الكاسيت) الذي ساهم بشكل مباشر في إيصال رسائل الخميني للشعب الإيراني مع الثورة التي أسقطت نظام الشاه، بينما في المقلب الآخر، فلقد انتشرت خطب «كشك» والتي لم تخرج عن سياق دعوة «الإخوان» في بث رسائل الكراهية للنظام واعتبار المجتمعات العربية تعيش في زمن الجاهلية كما وصفها سيد قطب في كتاباته، وهو ما تكرس أكثر مع تصاعد المد الإسلاموي في البلاد العربية.
مع تعثر المشروع القومي العربي أصيب اليسار العربي بخيبة وإحباط ليلحق بالتيارات الإسلاموية، فسار في مسلك التنمر على الأنظمة السياسية والسخط على المجتمعات العربية، امتد الخطاب الحاد المناهض للدولة الوطنية عقب تسلل تيارات الإسلام السياسي واليسار في المؤسسات الإعلامية العربية، فلقد تم توظيف الخطابات والشعارات لتفريغ شحنات الغاضبين والمحبطين حتى تم تغييب الصوت المعتدل في مؤسسات الإعلام، والتي باتت مختطفة وتم أدلجتها حتى إنها لعبت دور (شاهد ما شفش حاجه) خلال حقبة الثمانينيات الميلادية التي شهدت تمدد ما سمي بـ «الصحوة الإسلامية». بظهور الفضائيات والقنوات الإخبارية المتخصصة دخل التنمر السياسي أطواراً متقدمة فلقد تحول إلى منصات تحريض مباشرة ضد الأنظمة والشخصيات السياسية والفكرية تحت شعار الرأي والرأي الآخر، ما شكلته تلك المنصات تلاقى مع ظهور جيل من الصحافة العربية الصفراء التي اتخذت من القارة الأوروبية مواقع للنشر، على اعتبار أن أصحابها يمتلكون حصانة سياسية بعد حصول بعضهم على اللجوء السياسي.
تفشى التنمر السياسي مع بداية الألفية بتوسع استخدام الإنترنت فتشكلت منتديات ترعى التنمر بل وبشكل مباشر تُروج للإرهاب، حتى وصل الأمر لطريقة إعداد القنابل اليدوية وغيرها من المفخخات والأسلحة التي تساهم في القتل والترويع، حتى تم استثمارها في الاغتيال المعنوي لأصحاب الرأي ثم للمجتمعات ضمن نهج التحشيد الشعبوي. المتنمرون ليسوا ظاهرة طارئة إنما هي خصلة زُرعت وتمت رعايتها، وهي تُوظف من قبل التيارات الإسلاموية واليسارية بشكل علني، والآن يطلقون عليها زوراً قوى الضغط الشعبية، وهي قطيع يسير لتنفيذ مهام الإحباط وتأليب الرأي العام.