للفساد اوجه كثيرة، قد يبدأ بالرشوة ولا ينتهي بعمولات صفقات المشاريع المختلفة، بل ان بعض المشاريع يتم تصميمها لتدر مالا للقائمين عليها وليس لحاجة المجتمع لها.
كانت الرشوة، بوصفها تقبع في ادنى سلم درجات الفساد، كانت ضربا من العيب في ثقافة الانسان الجنوبي، اما الدرجات الاعلى في سلم الفساد فكانت تدخل في قائمة الجرائم الكبرى، وهكذا كانت الحرب على الفساد في الجنوب تبدأ من ثقافة المجتمع ومن اولى درجات سلم الفساد الى اعلاها.
كانت الرشوة (مثلا) تمثل دخلا اضافيا ترفيا لاصحابها، اما اليوم فقد اصبحت ضرورة معيشية بكل معنى الكلمة، فمستوى الاجور لا يلبي ابسط ضرورات الحياة، فالجندي او الموظف الذي يتقاضى راتبا يزيد قليلا عن خمسون دولارا لا يمكنه ان يفتح بيتا او يعيل اسرة بهذا الاجر، اما المتقاعدون فحدث ولا حرج، اذن ما سبيل هذا الجندي او الموظف ليتمكن من العيش سوى البحث عن وسيلة اخرى ليبقى على قيد الحياة؟.
يحصل الوزير في الحكومة على راتبا شهريا قدره (ثمانية آلاف دولار) اي ما يعادل (اكثر من مائة وستون ضعف الحد الادنى للاجور)، ولتقريب الصورة للقارئ الكريم فأن راتب رئيس الدولة في دول العالم لا يتعدى (عشرون ضعف) الحد الادنى للاجور، وهنا نلاحظ ان سياسة الاجور في بلادنا هي الصانعة الاولى للفساد.
واقع الحال ان الفساد صناعة حكومية ويتمتع بحماية رسمية، فمحطات الكهرباء المستأجرة تتمتع بحماية تعيق حتى تشغيل محطة بترومسيلة (مثلا) وتجارة الوقود تكشف عن نفسها عند مقارنة اسعار الوقود في مناطق الحكومة مع اسعار مناطق الحوثي التي تقل بمقدار 50% تقريبا.
ونشهد هذه الايام تسابق محموم للسيطرة على الاتصالات تحرم المواطن من مزايا المنافسة، فعندما بشرونا (بعدن نت) تحولت هذه الشركة الى تجارة السوق السوداء، وتحول معالي الوزير الى تاجر خطوط واجهزة تباع باضعاف سعرها الحقيقي، ونشهد اليوم استهداف لشركة (يو) لأن اسعارها في متناول الناس، ويجري ذلك بعذر بليد وهو ان هذه الشركة حوثية، ونحن نعلم ان كل الاتصالات تديرها صنعاء بشكل كامل بما فيها الهاتف الارضي.
ولأن الشيء بالشيء يذكر فقد قال لي سائق أجرة في صنعاء ان أحد (مشائخ الاتصالات) قال (لم نصدق ان التراب يمكن ان يتحول الى ذهب الا عندما اشتغلنا في الاتصالات).
لم يعد الفساد عيبا كما كان بالامس، ولم يعد الفاسدون يخافون من نظرة المجتمع الدونية لهم، ولم تعد للقانون سطوة، وغاب الوازع الديني، بل ان الفساد اصبح يمتلك أنياب واظافر يمكن ان تطال كل من ينتقد المسئولين عن الفساد او يحاول ايقاظ ضمائرهم.
لقد اصبح الفساد غولا واقتلاعه يجب ان يبدأ من الرأس.
عدن
٢٨ يونيو ٢٠٢٢م