مقبرة المكلا الجماعية !!!

2013-06-20 16:04

منظر المُكلا من الجو مُدهش..هل تخيله( عباس بن فرناس)حتى أراد أن يحلق في الجو؟

القادم من العاصمة صنعاء جواً إلى المُكلا سيمر أولاً قرابة النصف الساعة فوق كُتل جبلية موحشة،حتى ليخيل إلى أحدكم أنه تم استنساخ تكويمة ظهر "أحدب نوتردام" ثلاثة آلاف مرة وفرشها هناك كهضاب دون ترتيب. ذلك بالضبط هو ماأحسسته وأنا أشاهدها من  الجو.ومن ثم يستقبلك شريط من الماء، وضفائر من موج انسيابي لا يتوقف.

منظر أموج البحر من نافذة الطائرة تبدو أشبه بكتيبة من الكريمة البيضاء كما لو أنها تؤدي عرضاً في ساحة عيد.

حال أن تهبط الطائرة، تذوب تلك الروعة كلها داخل صالة مطار ضيق ..ياللخسارة !

من النباهة أن يتساءل المرء :معقول,حضرموت التي هي ثلثا مساحة البلد، لها هذه الصالة الضيقة لاستقبال المسافرين ؟!

ولكي تنتظر خروج حقيبتك دون أن يضرب الملل روحك،عليك أن تفتح نقاشاً مع أي شخصٍ إلى جوارك عن الأسباب الحقيقية لحرب الخليج مثلاً,وهل أمريكا فعلاً تدعم الديمقراطيات، أم أن الموضوع مجرد خرط ليس إلا ؟

من دون أن تبتكر لنفسك موضوعاً للنقاش مع أي شخص هناك ،وحول أي شيء، ستشعر-ثانية- بأن حدبات نوتردام كلها تتمدد فوق ظهرك وأنت تنتظر خروج الحقيبة !!

هبطتُ (المكلا) قادماً من مطار الريان"شرق المدينة".كانت الطريق على امتداد وعرض واسعين،ولفت انتباهي علامات من أحجار مطلية رؤوسها باللون الأبيض على جانبي الطريق ، ومغروسة في مساحات مربعة طويلة.وحتى التلال الجبلية، بدت أمامي مُعممة بنتوءات حجرية بيضاء وصغيرة.

ظننت كثيراً أن تلك الأحجار المغروسة هي (مشاهد) لقبور متفرقة! وتساءلت: أي حرب طاحنة هي التي حدثت هنا ،وخلفت كل هذا الكم من الضحايا؟!

-  هل هذه مقبرة جماعية؟سألت السائق ، وبلكنة حضرمية لذيذة قال :لا يا طيب، هذا نهب جماعي لأراضي حضرموت ،وعرفت فيما بعد ماذا يقصد ولعنت فكرة الفيد التي خسرتنا بلد .

في المرة الثانية دخلت المكلا براً قادما من عدن. طويت في بطن الباص قرابة 12ساعة، أكلتُ خلالها ثلاث جُرع من أعواد القات، وحفظت (صم) أحداثا وأغاني وأسماء ممثلي ثلاثة أفلام هندية شاهدناها طيلة الرحلة فوق باص يُدخن سائقه ، ويمنع الرُكَّاب من التدخين! كم أزعجني ذلك!!

وأخيراً لاح ضوء الصبح,رويداً رويدا ،وبدا شاطئ بروم يتسلل بزرقته الفاتنة يوزع علينا  نسمات هواء باردة.

إنها المكلا، حيث كل شيء فيها يخطف قلبك..البحر، والناس،وصوت أبو بكر سالم وهو يغني"بُعد المكلا شاق"والسفر براً إليها هو الآخر أمر شاق .