غزو الدولة السعودية الأولى لحضرموت .. "حملة بن قملة" في القرن الثالث عشر هجري

2021-07-15 22:51
غزو الدولة السعودية الأولى لحضرموت .. "حملة بن قملة" في القرن الثالث عشر هجري

بالأمس قام بن قملة وأتباعه بهدم الأضرحة والقبور في حضرموت واليوم يكرر الفعل القبيح حملة الفكر الوهابي أعضاء تنظيم القاعدة

شبوه برس - خـاص - المــكلا

 

"الدعوة النجدية أو كما تعرف بـ الدعوة الوهابية أو الوهابية اختصارًا، قامت في منطقة نجد وسط شبه الجزيرة العربية في أواخر القرن الثاني عشر الهجري، الموافق للثامن عشر الميلادي على يد الشيخ محمد بن عبد الوهاب (1703 - 1792) والأمير محمد بن سعود" حاكم الدرعية ..أهـ :

"شبوة برس"

 

 قال الأكاديمي د.علي صالح الخلاقي ان موعد كتابه الجديد بعنوان (حملة بن قَمْلا الوَهَّابية على حضرموت-القرن 13هـ/19م-ما لها وما عليها مع وثائق تاريخية تُنشر للمرة للأولى) قيد الطبع وإقترب موعد صدوره.

 

وأضاف د.الخلاقي الذي أبلى وما زال يبلي بلاء حسنا في البحث والتنقيب في التاريخ القديم والحديث والنقوش والآثار "قد وعدتكم بالافصاح عن اسم الكتاب في وقت سابق وكان لصحيفة عدن تايم السبق بعد أن تكرم صديقي البروفيسور د. عبدالله سعيد بن جسّار الجعيدي أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر-جامعة حضرموت رئيس مركز حضرموت للدراسات التاريخية والتوثيق والنشر، بكتابة المقدمة التالية للكتاب:

 

يسعفنا هذا الكتاب الوثائقي لسدِّ فجوات من تاريخ حضرموت الحديث، ولاسيما أخبار ما يعرف في الأدبيات الحضرمية (بحملة بن قملا)؛ إذ كان تناول المصادر الحضرمية لأخبار هذه الحملات الوهابية عابرًا كعبور هذه الحملات في مجرى التاريخ الحضرمي، وعادة يواجه المؤرخون أمام شحة المصادر التاريخية مصاعب كثيرة وهم يحاولون ربط حلقات التاريخ والتقريب بينها إلى أن تظهر على السطح أصول تاريخية جديدة تسهم في كشف الغامض، وتساعد على تكملة الناقص.

 

وتكمن أهمية الكتاب في اعتماده على وثائق تنشر لأول مرة، وهو بهذا يقدم مادة أصيلة عن هذه الحملات التي عصفت بحضرموت في بداية القرن الثالث عشر الهجري. تجدر الإشارة إلى أنَّ بعض هذه الوثائق قد تقدَّم بها مؤلف الكتاب للمشاركة في المؤتمر العلمي الرابع (التاريخ والمؤرخون الحضارمة في القرنين الثاني عشر والثالث عشر الهجريين)، الذي نظَّمه مركز حضرموت للدراسات التاريخية والتوثيق والنشر في ديسمبر 2019م، مع بحث آخر تم اختياره للمؤتمر لأن الباحث أحمد صالح الرباكي تقدم ببحث للمؤتمر نفسه عن هذا الموضوع مستفيدا من بعض الوثائق نفسها، وهذا التزامن في التناول غير المقصود لا يفسد للبحث العلمي قضية، فمن جهة كان لكل منهما زاوية نظره الخاصة (ولكل مجتهد نصيب)، ومن جهة أخرى فإن دراسة أي وثيقة تاريخية أو نشرها لا يعني الحق الحصري لهذه الجهة أو تلك، بل إنَّ الهدف من ذلك شيوع الفائدة العامة، وحتى تكون الوثائق متاحة للقراءات المتجدِّدة لكشف أبعادها ودلالاتها المتنوعة.

 

وقد عثر المؤلف على معظم وثائق الكتاب - كما أشار في التمهيد - في منطقة يافع ضمن أرشيف نائب الشرع الفقيه عبد الحبيب بن أحمد حيدر عز الدين البكري، ولا غرو في ذلك فقد كانت الكثير من الحواضر الحضرمية التي تركزت فيها حملات بن قملا تحت حكم بعض القبائل اليافعية، ولهذا راسل (بن قملا) الحكام المحليين من آل كثير ويافع للعمل بمقتضيات (الاجتهاد الوهابي) المشار إلى بعضه في متن هذا الكتاب. وتفتح هذه الوثائق بإشارتها غير المباشرة مجالًا للتوسع في قضايا تاريخية متنوعة، منها كُنْهُ التحالفات بين سادة حضرموت ومشايخها مع المكونات القبلية، والمسائل المتعلقة بالشخصية الحضرمية، ومدى النفوذ اليافعي في حضرموت، وغيرها من المسائل.

 

وهذا التاريخ المشترك بين يافع وحضرموت ربما يثير القارئ لمعرفة تفاصيله، وهي مذكورة في الكثير من الملفات، لكننا نجد من المناسب الإشارة بخطوط عامة إلى التداخل التاريخي في العلاقات بين يافع وحضرموت؛ وذلك بتقسيمها إلى ثلاث مراحل رئيسة: الأولى مرحلة الجندية (العسكرة)؛ عندما كانوا ضمن قوام قوات السلطنة الكثيرية، وهم هنا يظهرون بوصفهم قوات مساعدة لحماية المدن والبلدات الحضرمية، والمرحلة الثانية - الأطول زمنيًا - هي مرحلة السلطة أو التسلط اليافعي؛ عندما تمكنوا من تأسيس الإمارات والسلطات، وهذه الوضعية لم تدخلهم في علاقات عداء مع القوى القبلية، والسياسية الحضرمية المنافسة لهم فحسب، بل صاروا بمرور الزمن طبقة حاكمة، وطرفًا عصبويًّا رهن وجوده بالتماسك القبلي اليافعي، وعزز من هذا المنحى ديمومة الهجرة اليافعية إلى حضرموت، التي أدت إلى تأجيل اندماجهم في المجتمع الحضرمي، بعكس غيرهم من الجماعات والأسر الوافدة التي استقرت دفعة واحدة في حضرموت، والذين لم يمارسوا الفعل السياسي وتبعاته.

 

أما المرحلة الثالثة؛ فشهدت نهاية وضعهم بوصفهم طبقة حاكمة، وجاء ذلك بعد سقوط السلطنة القعيطية (السلمي) عام 1967م، ففي إثر ذلك التحموا تدريجيًّا في نسيج المجتمع الحضرمي خاصة أنهم لم يتورطوا في أي مواجهات بدافع قبلي عند حدوث التحولات الثورية في حضرموت والجنوب في تلك المرحلة المشحونة بالحلم القومي العروبي، والموضوع ذو شجون، ومتشعب الأبعاد، ونكتفي بهذه الإشارة.

وبالعودة إلى موضوع الكتاب نجد أن العنوان (حملة بن قملا) يتماهى مع المسمَّى لهذه الحملات في المؤلفات الحضرمية، وهو أكثر دقة من مصطلح الغزو أو الاجتياح والحملات (الوهابية)؛ بوصفها حركة إسلامية تصحيحية، امتزجت فيها التطلعات السياسية مع مشروع الإصلاح الديني حتى وصلت إلى مناطق كثيرة من أصقاع الجزيرة العربية وفي بداياتها نالت تأييدًا وتعاطفًا كبيرين، وبالنسبة لحملة بن قملا على حضرموت كان الهدف الديني الإصلاحي هو العنوان الرئيس لها، ولم تكن حضرموت ضمن التطلعات السعودية السياسية قريبة المدى وفي دواخل الكتاب وضّح المؤلف البعد الاقتصادي لهذه الحملات، ليس فقط من خلال الأموال التي فرضوها ليرتفعوا عن بعض المناطق التي دخلوها عنوة، بل من خلال التشكيل القبلي اليمني لهذه الحملات، والذين وجدوا في الموجة الإصلاحية العاتية في شرق الجزيرة العربية فرصة للرزق تحت غطاء هذا الخطاب الديني الحاد، الذي قسم المؤمنين إلى مسلمين ومشركين، ومع ما يتسم به هذا الطرح من غلو، فإنَّ الحضارمة ركنوا في غالب الأحيان إلى الأسلوب المرن في التعامل معهم ومع ما يقومون به من تهديم للقبور والقباب مما أتاح لهم فرصة للانتظار حتى تهدأ العاصفة.

 

وبنهاية الحملات الوهابية على حضرموت عادت الأمور فيها إلى سيرتها الأولى، لكنها أحدثت صدمة في ثوابت المجتمع الحضرمي، ترحلت صداها في الثقافة المحلية والشفاهية، وصار (بن قملا) يرمز فيها للغزاة والطامعين، ثم استقرت بعض خبايا القصة في دواخل الوثائق وطيَّاتها إلى أن جاءت (حملة الخلاقي) التاريخية العلمية فأعاد إحياءها في ثوب جديد لنستلهم منها الحكمة وتدلنا على جادة الطريق.

إن التحريك الجغرافي الموجه للمذاهب الإسلامية والذي يتزامن أو يتقدم على التطلعات السياسية، مثل ظاهرة مؤلمة في التاريخ الإسلامي وصبغ العالم الإسلامي بصبغة الصراع والتناحر المزمن، فأنهكت الدول، وتشتت جهدها، وصارت لقمة سائغة للغزاة عبر العصور، فما أحوجنا اليوم إلى قراءة عقلانية للتاريخ، وإلى خطاب إسلامي يساعد على تمتين العرى، ويحترم الاختلاف، بعيدًا عن ثقافة الاستقواء والهيمنة، التي لا تنتج إلا الصراع والمآسي والضعف والتفكك!

ومؤلِّف الكتاب البروفيسور علي صالح الخلاقي غنيٌّ عن التعريف، وله عشرات المؤلفات التاريخية الرصينة، وخاصة ما يتعلق بالتراث اليافعي، وعلى صعيد العلاقة الشخصية البينية، وفي بعض محاولاته الشعرية يظهر محبته لحضرموت وأهلها، ويبدو أن هذا الشعور الصادق كان حافزًا ليُعِدَّ عُدَّتَه ويجهز حملته العلمية ويتحفنا بهذا الكتاب الوثائقي، الذي جرت أحداثه في حضرموت، واحتفظت يافع بأسرارها لحين من الدهر، وها هو يبوح ببعضها، وبقي أن نستمع إليه، ونشد الرحال معه.