مشهد إسماعيل هنيه القيادي في حركة «حماس» وهو يجول داخل سوق شعبي في الدوحة ثم يلوح لعشرات المحتشدين بعلامة النصر، وهو يركب سيارة فارهة متوجهاً لفندق من الفنادق الراقية، ليس مشهداً عابراً أو حتى ساخراً كما تناوله كل خصوم التنظيم الدولي لجماعة «الإخوان المسلمين»، بل إنه في مضمونه يعبر عن كينونة العقيدة «الإخوانية» وفلسفتها منذ نشأة التنظيم عام 1928.
منذ أسس حسن البنا جماعة «الإخوان»، اختلق جملة من الدعايات، بل والأكاذيب والخرافات، كي يتم الترويج لها على أنها حقائق. فمن ادعائه لنفسه أنه إمام دين وعالم رباني، إلى مقولته (ليسوا إخواناً وليسوا مسلمين) من أجل استغراق بذرة التكفير وتأصيل منهج الخداع والكذب والتضليل، يتضح أن هذا النهج هو ما تريد الجماعة استحضاره في مشاهدات متكررة لقيادات التنظيم «الإخواني»، أفراداً وجماعات، وعبر الصور التي يتباهون بها في إسطنبول وهم مجتمعون ويصورون برامجهم التلفزيونية التي تتحدث عن زهد الصحابة وتقشفهم تنفيه حالتهم، وهم يخاطبون ملايين الناس عبر الفضائيات، التي منحتهم ساعات طويلة من البث المباشر.
لطالما سعت جماعة «الإخوان» إلى حرف بوصلة الشعوب العربية عمداً وعنوةً وقصداً، فعقيدتهم لا ترى في الوطن سوى أنه مجرد حفنة تراب عَفِن، كما جاء في وصف سيد قطب، لذلك في تاريخ الجماعة لم تشارك في حرب وطنية واحدة في القطر العربي المصري، بل إن قائمة الشرف لشهداء حرب أكتوبر 1973 لا يوجد بها «إخواني» واحد، وهذا ليس بالمستغرب. ففي انتفاضة المصريين على الإنجليز في قناة السويس خاطب مرشد الجماعة الملك آنذاك، واصفاً الانتفاضة بأنها أعمال عنف، تستهدف الفوضى في القناة.
يسوق تنظيم «الإخوان» شعاراته (بالملايين رايحين للقدس)، بينما في كل معركة يطعنون الجيوش العربية في خواصرها، حرب 1948 لم تشارك الكتائب «الإخوانية» برغم تجاوز أعداداها العشرة الآلاف مقاتل، وظلوا في مواقعهم حتى وهم يسمعون بسقوط القدس وحصار القوات الإسرائيلية لكتائب الجيش المصري. وبعد ثورة يوليو 1952 ابتدعوا أولويات شتت الدولة المصرية، فلقد خرجوا وقالوا بالمحرمات من ما استجد على مصر من التعليم ودور السينما، فحاربوا المجتمع وضيقوا على الدولة محاولتها في التحديث والتطوير.
وبعد تأميم القناة، جاءت محاولة اغتيال الزعيم جمال عبدالناصر، من أجل اغتيال المشروع الناصري القومي، وقتل نواة الدولة الوطنية المصرية. النهج «الإخواني» لم يتوقف عند هذا الحد، بل تنامى في داخل السجون وأخرج أسوأ ما في عقيدتهم، وهو التكفير واعتبار المجتمعات الوطنية امتداداً للجاهلية، وأن الجماعة هي امتداد للنبوة والعقيدة الصحيحة، لذلك لا يستغرب أحد أن تشمت الجماعة دون غيرها بما وقع في حرب الأيام الستة واعتبار نتائجها بأنها عقوبة ربانية نزلت على العرب.
وبعد عبور الجيش المصري لقناة السويس، وتشكل القوة السياسية العربية، التي نجحت بتحرير سيناء، جاءت رصاصات الجماعة نفسها لتغتال صانع النصر والسلام أنور السادات ليشكل الجناح السني ظهور الإسلام السياسي بعد نجاح ثورة الخميني في إيران، ثم تشهد ثمانينيات القرن العشرين صعود «الصحوة الإسلامية»، ومعها انطلقت أوسع عملية تجريف للعقل العربي، وإحلال الخرافات والأساطير في عقول الشبان وتوظيف الشعارات الوهمية مكان الواقع، وسيقت الأمة لتحارب في أفغانستان، وتتداول الأيادي كتاب (آيات الرحمن في جهاد الأفغان)، ولكأنه كوكايين مخدر يُغيّب العقول ويوظف الأجساد لتتحول إلى قنابل موقوته مهمتها الانفجار في انحلال ديني، فالجسد الذي حرمه ربه خالقه حولته جماعة إلى «حفنة عفنة»، تماماً كما يصفون الأوطان.
في كل السياقات ظلت جماعة «الإخوان» تحرف القضايا الوطنية، فقضية حي الشيخ جرّاح العادلة تحولت باقتدار إلى حرب الأبراج الغزاوية التي استخدمتها «حماس» كدروع مدنية مطلوب لها أن تهدم ويموت كل من فيها، لتواصل الجماعة مهمتها التاريخية في توظيف الأزمات لتمرير أجندتها وتحقيق أهدافها عبر «جهاد الفنادق»، وترديد الجماهير لشعارات تمدد فترات الإقامة في أرقى الفنادق والشاليهات الفاخرة.