متى ستتحرك الجبهات؟؟

2021-03-01 09:52

 

سؤال وجيه يقفز في مقدمة عشرات الأسئلة القلقة التي تنصب جميعها على جبهة مأرب، بعد أن عجز "الجيش الوطني" الشرعي عن هزيمة الشرذمة التي يقولون أنها لا تمثل سوى 5% من كل سكان اليمن.

الشرعية ليست عديمة الحيلة ولا محدودة الإمكانيات، فلديها الدعم الدولي من كل دول العالم ومن جميع المنظمات الدولية، باستثناء إيران ودولتين أو ثلاث من صديقاتها في أمريكا الجنوبية التي لا يكاد أحد يتذكر أسماءها، وهي تتمتع بالدعم العربي المطلق من جميع الدول والشعوب العربية باستثناء حزب الله ومليشيا الحشد الشعبي في العراق، وهي (أي الشرعية) متكئة على دولتي التحالف العربي، المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، اللتان تتحملان نفقات المعركة مع الحوثي من الألف إلى الياء بما في ذلك مشاركة الجنود والضباط ضمن القوى الأرضية، ناهيك عن الإسناد الجوي، تلك الميزة التي لا يمتلكها  الحوثي والحوثيون، وفوق كل هذا لديها جيشٌ "وطنيٌ" يفترض أنه يتكون من أكثر من نصف مليون مقاتل فضلا عن متطوعين وطنيين أشداء ومخلصين من رجال القبائل من مأرب والبيضاء والجوف، وورجال مقاومة أكفاء في الضالع ولحج والحديدة وأبين وشبوة وحضرموت والمهرة، ممن يقومون بأدوار وطنية بكفاءة أكثر مما أبدته جيوش صنعاء أثناء اقتحامها من قبل  الحوثيين عام 2014م.

ومرةً أخرى يقفز السؤال: لماذا تنتصر الأقلية المارقة السلالية المستندة على حجج ومبررات عنصرية في معركتها ضد هذه الأغلبية الجائحة المهزومة في كل مرة؟

لكم تمنينا أن تتم هزيمة المشروع الحوثي، بأقصر وقت وبأقل جهد وبأدنى كلفة في ظل هذا التفوق العددي والتكنيكي والسياسي والدبلوماسي واللوجستي الذي تتمتع به الشرعية وقواتها، لكن شيئا من هذا لم يحصل، إلا في عدن ومحافظات الجنوب إلى جانب مأرب والجوف في العام 2015م، وهو ما يستمر اليوم في جبهات الضالع وكرش والصبيحة حيث لا محطات فضائية تصور ما يدور ولا مراسلون صحفيون يرصدون الأحداث، ولا محللون عسكريون يثرثرون على الفضائيات عما يجري، ولا نواب برلمانيون يعبرون عن قلقهم من سقوط هذه المناطق (لا سمح الله) ولا شرعية تسأل عن تلك المناطق، ولا وزير دفاع أو هيئة أركان معنيون بما يجري في تلك الجبهات، فهي لا تعنيهم إلا عندما يتعلق الأمر بالعائدات المادية والضرائب ودعم جبهة مأرب.

ومرةً ثالثة: لماذا ينتصر الحوثيون المارقون، وتنهزم الشرعية ذات الأحقية والمشروعية؟

إنها واحدةٌ من أغرب معادلات الحروب في التاريخ العسكري للعالم أجمع.

من لا يعلم تعقيدات ما وراء المشهد السياسي والعسكري والقبلي اليمني سيظل يعاني من الحيرة وهو يحاول الإجابة على هذا السؤال، لكن السر كله يكمن في مجموعة من الأكاذيب التي دشنها "خاطفو الشرعية" في العام 2015م وواصلوا ترويجها حتى صار العالم كله يتعامل معها كحقائق مطلقة لا تقبل التشكيك أو الدحض، وتلك الأكاذيب هي:

الأولى: أكذوبة "الجيش الوطني"، ففي اليمن لم يكن هناك قط جيشٌ وطنيٌ، ومع الإقرار بمهارة وحرفية الحرس الجمهوري الذي أنشأه الرئيس السابق صالح، لكنه لم يكن وطنيا بل كان جيشاً عائليا، انهار بمجرد خروج الرئيس من السلطة واستولت لحوثية على ما تبقى من أفراده وأسلحته ومنشآته ومواقعه، أما بقية الكتائب والوحدات الموزعة رمزيا على بعض المناطق العسكرية، الثالثة والخامسة والسادسة فأفرادها هم شباب الساحات المنتقيين بصورة حزبية دقيقة، ومعظمهم  تمت "كتبتهم" بلا تدريب ولا تأهيل عسكري ولا مهارة سوى تلك التي اكتسبوها من قبائلهم في "التنصَّاع" أو في الحروب القبلية ، والمهم بالنسبة لمعظم هؤلاء هو الراتب والرتبة وكفى.

الثانية: أكذوبة "المؤامرة السعودية الإماراتية"، فمعظم الذين يدعون أنهم يدافعون عن الشرعية يروجون بين أنصارهم، نظرية "المؤامرة السعودية الإماراتية"، مما يشوش معنويات من يريد أن يقاوم الحوثي ويجعل الكثيرين منهم يختارون الوقوف على الحياد أو الذهاب مع الحوثي، باعتبار المعركة ضده هي معركة، لنصرة "المحتلين الإماراتيين والسعوديين" والغريبة أن صانعي هذه الأكذوبة يواصلون طلب الدعم من  الدولتين التين يتهمونهما بالاحتلال، ويحملونهما أسباب الهزائم التي يصنعونها بإعلامهم ودعاياتهم وتحريضاتهم وسلوكهم السياسي والعسكري.

الثالثة: أكذوبة "إن الجنوب يحارب الشرعية"، حيث اتبع المروجون لهذه الأكذوبة، وهم أنفسهم المروجون لبقية الأكاذيب، اتبعوا فلسفة جوبلت ومقتضاها "اكذب ثم اكذب ثم اكذب حتى يصدقك الآخرون"، فمنذ اليوم الأول لانطلاق الثورة السلمية الجنوبية روج هؤلاء اتهام الشعب الجنوبي وقواه السياسية الحية ومقاومته الوطنية بالعمالة لإيران، وعندما تمكن الجنوبيون من هزيمة عملاء إيران الحقيقيين اكتشفوا أن الكذبة "ما زبطت" كما يقول الأشقاء المصريون، فاخترعوا كذبة بديلة وهي أن الجنوب عميل للإمارات، ونسوا أن الإمارات نفسها دعمتهم بعشرات الشهداء في مأرب وحدها، بينهم بعض أفراد الأسرة الحاكمة، ونسوا أو أخفوا حقيقة أن الجنوبيين هم وحدهم من حرر الـ 80% من الأرض التي يقولون أن الشرعية تسيطر عليها، وبدلا من الحشد باتجاه المواجهة مع الحوثي وتحرير صنعاء حشدوا قواتهم جنوباً وتركوا الجبهات مفتوحة للحوثي ليفعل ما يشاء ويحتل حيث يشاء وكان تسليم الجوف والبيضاء ومعظم مديريات مأرب للجماعة الحوثية تتويجا لهذه الأكذوبة.

والرابعة: أكذوبة أنهم يقاتلون من أجل إعادة الرئيس عبد ربه منصور هادي إلى صنعاء، هذه الأكذوبة غدت مكشوفة لأنهم لو كانوا صادقين فيها لما تخلوا عن الرئيس وهو في صنعاء، ولما احتاجوا أصلا إلى خروجه ثم خوض الحرب من أجل إعادته، لكن الأثر المدمر لهذه الأكذوبة، يتمثل في إنهم وهم يتهمون الرئيس بجميع التهم ويحتفظون بالشتائم التي قالها عنه خصومه، من قصة عدم قدرته على التعلم، إلى قصة أنه محصن ضد الفهم فضلا عن اتهام أقاربه ومقربيه بالفساد والعبث وسوء استخدام السلطة، ثم يقولون لأنصارهم: تعالوا نقاتل من أجل إعادة هذا الرئيس الذي فيه كل هذه العيوب إلى صنعاء، . . . . فمن سيصدقهم ويقاتل من أجل الرئيس الجنوبي الذي ينسبون إليه كل هذه الأكاذيب والتلفيقات، من الذي سيفعل كل هذا ويقاتل الحوثي ابن الشمال الذي قبل به أغلبية السكان.

إن هؤلاء لا يقاتلون من أجل الرئيس الشرعي ولا ما أجل إعادة الشرعية، بل من أجل استمرار استثماراتهم في الحرب، فهم بدون الحرب سيخسرون الحنفية التي تسكب لهم ذهبا، وطالما الأشقاء كرماء إلى هذه الدرجة، فلا مانع من استخدام اسم الرئيس كمظلة لتحقيق مآربهم الاستثمارية، وكلما قارب الحوثي من التفوق والانتصار كلما زادت فرصهم في ابتزاز الأشقاء في دول التحالف.

وأخيرا: قد تكون القوات الرابضة في المنطقة العسكرية الأولى، وهي قوات شمالية عدةً وعدداً وهويةً وعقيدةً هي من تبقى من الجيش الذي بناه علي عبد الله صالح، وهي قوات مجهولة العدد، رغم الحديث عن عشرات  الألوية، هذه القوة لو تحركت باتجاه الجبهات لرجحت كفة القوات التي تقاوم في مأرب، لكن هؤلاء لم يفعلوها ولن يفعلوها لسببين الأول إنهم قد رددوا الصرخة عدة مرات خصوصا قبل اغتيال صالح على أيدي أصحاب تلك الصرخة، وثانيا إن هؤلاء ليس تخصصهم محاربة الحوثي ابن جلدتهم، إنهم متخصصون في مقاتلة الجنوب والجنوبيين ويعتبرون هذه المنطقة هي منظقتهم، وقد أثبتوا قولنا هذا عندما وجه الرئيس بتحريك عدد من السرايا لدعم جبهة حجور بمحافظة حجة في  أبريل 2019م قبل سقوط المديرية بيد القوات الحوثية حيث رفضوا تنفيذ الأمر وبقوا في

معسكراتهم الآمنة المستقرة المتوفرة على جميع وسائل الراحة والاستجمام.

السؤال الذي يطرحه كل المتابعين للشأن اليمني الأذكياء وحتى محدودي الذكاء: متى ستتجه القوات الراقدة في تعز وشبوة وسيئون والمهرة وصحراء حضرموت لإنقاذ مأرب،  . .  . ويحتار الجميع في فك هذا اللغز، فألغاز الشرعية كثيرة، وليس أولها ولا آخرها اعتراف وزير الدفاع بأن 70% من قوام جيشه أسماء وهمية ومع ذلك يستلم الوزير كامل مخصصات تلك الأسماء ويقبل على نفسه الظهور أمام الكاميرات وعلى الشاشات مرتديا بدلةً عسكرية لم تتعرض لذرة غبار واحدة ألا ما قد يتطاير إلى الدولاب في غرفة الفندق.