أمراء الحرب الأفغانية الذين تقاتلوا على غنائم الحروب السوفييتية هم ذاتهم الذين منحوا قيادات تنظيم «القاعدة» الإرهابي الحماية، حتى سقطت أبراج مانهاتن في هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001، أمراء الحرب أنفسهم قرروا وضع أسلحتهم جانباً ومصافحة الأميركيين الذين بدورهم أوكلوا للأمراء التخطيط لمستقبل الشعب الأفغاني.
في المقابل، يبدو حال اليمن مشابهاً لحال أفغانستان، فمشايخ القبائل اليمنية لعبوا دور أمراء الحرب الأفغان منذ ما يفترض أنه ثورة وطنية في العام 1962، بينما هي انقلاب داخل الأسرة الزيْدية الحاكمة لليمن منذ قرن من التاريخ، استبدل مشايخ القبائل اليمنية ملابسهم التقليدية ببدلات وكرفتات، وصنعوا مسرحاً أطلقوا عليه البرلمان أو مجلس الشعب، حتى صفق جمال عبدالناصر والملك فيصل للعرض اليمني الآخاذ والمقنع بحلول الدولة الديمقراطية.
اليمنيون كالأفغان يريدون من الخارج الأموال ومشاهدة ما يقدمه الممثلون على خشبة المسرح في كابول أو صنعاء أو حتى عدن، فتميثل الديمقراطية وتصوير مشاهدها سواء بالانتخابات أو تأدية اليمين الدستورية والظهور في برلمان الشعب هي مشاهد يجيد أداء أدوارها القادمون من مجاهيل التاريخ وصراعاته وحروبه المستدامة، ليتم أداؤها في مسارح للحفلات التنكرية، حيث يتخفى الممثلون بالأقنعة المختلفة، أمراء الحرب يتحولون على خشبة المسارح إلى ممثلين بارعين، ليس لتمثبل رغبات الشعب بل لإرضاء رغبات المنتج لتلك المسرحيات التي تُظهر الديمقراطية، وتخفي خلفها بطوناً خاويةً وعقولاً محرومة من العلم، وتُظهر بنادق الكلاشينكوف محل الأقلام الرصاص.
يدفع المنتجون الكثير من المال ليروا مشاهد زائفة من الديمقراطية، فهذه واحدة من مهمات المنتج للأعمال، حتى وإنْ كانت أدوار الممثلين على المسارح رديئة، فالأهم الاستمرارية في تأدية الأدوار، فهناك جمهور عريض يتلذذ بهذه العروض، خاصة عندما تحتد المشاهد الدرامية وتصل لاستخدام العبوات الناسفة أو استخدام الصواريخ البالستية والطائرات المسيرة عن بعد. ويتساءل الممثلون فيما بيننم كيف وصلت هذه الأسلحة المتقدمة لنا ونحن لا نملك مصانع ولا نملك تكنولوجيا، وفيما يبدو تساؤل ساخر يستمر المنتج بدفع المال ليواصل الممثلين المشهد التالي، الذي يلعب فيه المنتج بنفسه دور الضحية لأعمال طائشة يفعلها أحد الممثلين الخارجين عن النص.
لن يتوقف مشايخ قبائل اليمن وأمراء الحرب الأفغان عن لعب الأدوار المسرحية الموكلة لهم، فهذه هي طبيعتهم التي هم عليها وآبائهم وأجدادهم.
فالطبيعة المتوارثة هي جزء من تركيبة اجتماعية من المستحيل تغييرها أو التأثير عليها بروتوش من نوايا الإصلاح المجتمعي. فالنوايا الطيبة تظل مشاعر وجدانية، لا تستطيع تغيير الواقع، ولهذا يستمر الممثلون البارعون في تأدية أدوارهم برغم كل الظروف المحيطة بهم، فلا يمكن أن يتوقف الممثلون عن أداء العروض لطالما حصلوا على الأموال وتصفيق الجماهير العريضة.
أوجدت قطر منصة لأمراء الحرب الأفغان ليأتي رجل الكاوبوي الأميركي غافراً للأمراء الأفغان شيئاً من خروجهم عن النص المسرحي، ويعود لمقعده ليشاهد العرض الأفغاني بما فيه من اغتيالات وانفجارات.
والعرب قدموا لليمنيين المبادرة الخليجية لتكون منصة تُطهّر الخارجين عن النص المسرحي، فما كان في ثورة «الربيع العربي» كان فعلاً لا يغتفر، الجنرال العجوز اصطف مع الأتراك، وتحالف مع القطريين وكفر بأعطيات السنين فكان الفعل الخاطئ، الذي أسقط رابع عواصم العرب صنعاء بقبضة إيران في خروج عن النص، كان لا بد من تصحيحه بمبادرة خليجية وضعت على الوجوه الكثير من المساحيق، لتفتح ستارة المسرح ليواصل الممثلون تأدية أدوارهم المسرحية المعتادة.
أفغانستان واليمن هما نتاج سياسات تعتمد على عمليات التجميل، ولا تريد إجراء عمليات بتر للأطراف الفاسدة والضارة، لأن واضعي السياسات يرون في هذه الأطراف ممثلين بارعين جداً ليس في قدرتهم على أداء الأدوار، بل السيطرة على الواقفين في خشبة المسرح العريضة من كومبارس وممثلين، وهكذا يستمر العرض المسرحي بما فيه من التراجيديا والكوميديا السوداء، فكل المشاهد مهما كانت ستجد ما يكفي من تصفيق الجماهير المكتظة، والتي أدمنت هذه العروض المسرحية التاريخية.
تدوير الشخوص والشخصيات سيعيد ذات المشاهد التمثيلية الرديئة، حتى وإنْ أعجبت الجمهور، فواقع بؤس الشعوب لا يتغير، فاليمني الذي ولد على هتافات الثورة السبتمبرية، حفيده يردد الشعارات ذاتها في العروض المسرحية المستحدثة، وإنْ تبدل بعض الممثلين ولبس بعض الرجال عباءات النساء، كما فعل ذلك علي محسن الأحمر في موقعة الهروب من صنعاء، فهذه حفلة تنكرية بمأساة إنسانية.