بحلول الثاني من ديسمبر 2020 تكون الوثبة الإماراتية قد انطلقت نحو مئوية قيام دولة الإمارات العربية المتحدة، وتكون الدولة التي كانت حلماً صعباً أمام تحديات ما بعد النصف قرن الأولى من عمرها الذي انقضى في التأسيس والتثبيت لدعائم الدولة وكيانها، مرحلة صعبة خاضها الآباء المؤسسون بكل الاعتبارات الزمنية والظرفية، التي كانت تحيط بالبلاد آنذاك مع تحديات الطبيعة الصحراوية القاسية، التي تشكل عاملاً من عوامل التحدي الأكثر ضراوة على نجاح مشروع سياسي استثنائي في الشرق الأوسط والعالم العربي.
سيتذكر الإماراتيون قيادةً وشعباً عام 2020 كمحطة مهمة في طريق وطنهم إلى المئوية، سيتذكرونه أنه كان عام الوثبة إلى المئوية بعد سنة اختبروا فيها البنية التحتية للقطاع الصحي، وإنْ كان اختباراً صعباً مع ما مثلته جائحة كورونا من خطر وجودي على حياة البشر، اختبرت الإمارات البنى التحتية في زمن كورونا على كافة الأصعدة سواء السياسية أو الاقتصادية أو حتى الإعلامية، كان اختباراً واسعاً ومفاجئاً تعاملت معه القيادة العليا بمسؤولية كما تعامل الآباء المؤسسون مع ميلاد الاتحاد بذات الإحساس بالمسؤولية تجاه الأرض والإنسان، وبهذه النظرة نحو تحديات 2020 تكون الوثبة للمستقبل بترميم ما قد يكون قد تأثر من البنى التحتية، التي أنشئت على مدار النصف القرن الأول من دولة الاتحاد.
الاستراتيجية العامة للإمارات تعتمد ليس على التنافسية فحسب، بل على أعلى معايير التنافسية في كافة القطاعات، لذلك توجت الإمارات نجاحاً مدهشاً في مجال الفضاء، وتحولت لدولة مهمة بعد أن نجح برنامجها الفضائي بإرسال مسبار إلى كوكب المريخ، كما أن هذه الاستراتيجية هي التي قادت الدولة لامتلاك أقوى شركات الطيران المدني حول العالم، فالاعتماد على أعلى درجات المعايير في التنافسية حقق أهدافاً كبرى برغم أنه كلف الكثير من الجهود.
عام 2020 شهد توقيع اتفاقية السلام مع إسرائيل، وهذه الاتفاقية تعد تطوراً مهماً في سياق السياسة الإماراتية الفاعلة في الشرق الأوسط منذ سنوات كانت فيها الإمارات دولة مؤثرة وقادرة على التغيير والتأثير، بعد أن أظهرت القيادة السياسية رؤيتها التنويرية في مواجهة واقع المنطقة المأزومة والواقعة تحت كماشة التطرف والعصبيات الدينية والمذهبية، مما استدعى إنشاء تحالفات دولية لعبت فيها الإمارات أدواراً متقدمة كان لها تأثيرها.
الديناميكية السياسية كانت مفتاح النجاح الإماراتي سياسياً واقتصادياً في العقود الخمسة الأولى من عمر الدولة، وستظل هذه الديناميكية هي المحرك الفاعل في الطريق نحو المئوية، وسيعزز ذلك الطموح الذي ستدخل به أفواج الأجيال الحاصلة على جرعات عالية من التعليم ذي الجودة المرتفعة، فتحديات الخمسة عقود التالية ستتمحور حول مخرجات التعليم مع ضراوة المنافسة الدولية المقبلة في الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الرقمية المتقدمة، مما سيضع الإمارات في سباق لامتلاك القوة الممكنة من التكنولوجيا، وتحويل الإمارات كمصدر دولي لمنتجات مبتكرة.
القوة الناعمة تستلزم المحافظة على القوة الخشنة التي بدورها أثبتت قدرة عالية في حرب اليمن، كما أن التجربة الإماراتية في عمليات مكافحة الإرهاب التي جرت في ساحل حضرموت ومحافظات شبوة وعدن الجنوبية وضعت القوات المسلحة الإماراتية ضمن أهم القوات العسكرية العالمية في نطاق مكافحة الإرهاب، وهذا ما سيستدعي بناء استراتيجيات لمواصلة هذه الريادة، فالدور الإماراتي القادم سيتطلب أدواراً متقدمة على كافة المستويات مع ما ينتظر إعادة تشكل موازين القوى الشرق أوسطية، وما سيكون عليه أهمية الاستقرار في منطقة الخليج العربي، التي ستكون محطة مهمة في العلاقات الدولية، مع تنامي الصعود الاقتصادي الصيني في شرق العالم.
الإمارات في العام 2071 ستظل البلاد التي تستند على ثروتها التي قامت عليها وهي الإنسان الذي راهن عليه المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان - طيب الله ثراه - ونجح الرهان بما تحصده الإمارات في نصف قرن من الجد والاجتهاد والبذل والعطاء بل وفي استشراف المستقبل، حتى تحولت الإمارات إلى وطن تنويري تطمح كل الشعوب في استنساخه، وباتت مقصداً للعقول وأصحاب الأحلام المعرفية، فالأرض الإماراتية المبروكة تنبت نباتاً مباركاً.