صورة فرنسا في الشعر الحضرمي

2020-10-31 14:33

 

نعرض هنا بعض ما قيل في قصائد لشعراء حضارم في فرنسا وعدائها للإسلام وللعرب، منذ أن كان يطلق عليها في التاريخ العربي الفرنجة أو الفرنج، وهو ما زال الاسم الذي تحمله فرنسا بلغتها مع إبدال الجيم شينًا، ومخرجهما واحد، بل إن بعض اللهجات العربية تجعل الجيم كالشين، ومنه أيضًا اسم عملتها الفرنك قبل دخولها في منطقة اليورو، العملة الأوروبية الموحدة، لكن الاسم المتداول في الأدبيات العربية الحديثة هو فرنسا أو فرنسة بالسين، وينسب إليها بلفظ فرنسي أو فرنساوي، وقد تجمع على تجمع على الفرنساوية، أو الفرنسيس كما في كتاب الجبرتي (مظهر التقديس في زوال دولة الفرنسيس)، وعاصمتها تكتب غالبًا باريس بالسين، وقد تكتب بالزاي باريز، كما في كتاب رفاعة الطهطاوي (تخليص الإبريز في تلخيص باريز)، ونسوق هنا ما ورد في أشعار حضرموت على ثلاثة محاور محور عدوانها على العرب ولاسيما الجزائر، يليه محور السخرية من انهزامها أمام الألمان، ثم محور تهافت شعاراتها وزيفها.

عدوانها على العرب:

   اجتاحت القوى الأوربية العالم العربي في مطلع العصر الحديث وتقاسمت أقطاره فيما بينها، كبريطانيا وإيطاليا وفرنسا، وكان من نصيب المستعمر الفرنسي طرفًا من بلاد المغرب العربي هي الجزائر، ومن بلاد الشام استأثرت بسوريا ولبنان، ومن بلاد الصومال احتلت منطقة جيبوتي، فضلا عن هيمنتها على مساحات واسعة من القارة الإفريقية.

   ومشهور في هذا المقام ما قاله أمير الشعراء في هذه المناسبة في قصيدته التي يخاطب فيها دمشق حيث يقول:

سَلامٌ مِن صَبا بَرَدى أَرَقُّ ** وَدَمعٌ لا يُكَفكَفُ يا دِمَشقُ

   لكن الشاعر حسن أحمد باكثير يؤثر أن يوجه خطابه فرنسا المعتدية بقوله:

أتظنين شعوب الضاد كالسنغال قوماً صاغرينْ؟

نحن لا نبغي حماة فاذهبي واحمي بنيك الباسلين

احذري أن تستفزّي أمة قد أقسمت ألاَّ تهون

أمة أمجادها تزداد إشراقاً على مرّ السنين

أمة مقدامة ترنو إلى مستقبل ضاحي الجبين

أمة تحمي حماها بالدم القاني وبالعزم المكين

   ومثله يقول أخوه الأديب المعروف علي أحمد باكثير، مستنكرًا غزو فرنسا لبلاد الشام:

عجباً كيف لم تعصفْ بالدُّنَى زلزلةْ؟

كيف لم تهوِ فوق الورى شُهُبٌ مُرسلةْ؟

يا لها مهزلة!

يا لها سوَءةً مُخجلة!

مثلت دورها أمة تدعى ضلة أنها من كبار الدول

سلمت للمغيرين أوطانها لتواري في سوريا وفي لبنان الخجل!

   لكن أبشع احتلال لفرنسا كان لبلاد الجزائر التي ادعت ضلة أنها جزء من أراضيها، وحاولت تغريبها وفرنستها، لولا الثورة العارمة التي اندلعت في الجزائر حتى أرغمت المحتل الفرنسي على الانسحاب بعد تضحيات جسام.

   وقد تفاعل الشعراء الحضارمة مع أحداث الجزائر وثورته ورموزها بأشعار جمة، ومن هؤلاء الشاعر حسين محمد البار حيث يقول محييًا الثورة الجزائرية ومنوهًا ببسالة أبطالها:

تلك الجزائر تلهب الأعداء نيران الهواجر

فضحت فرنسا من شعوب الأرض في كل الدوائر

كشفت نواياها وما تطويه من خبث السرائر

وغدت دعاويها العريضة في حضيرة كل خاسر

   وبالمقابل نرى الشاعر حسن السقاف من جانبه يظهر اعتزازه بتضحيات أهل الجزائر، يقول:

أهـل الجـــــــزائر لا زالــــــــــــــت بلادكم    تبدي لنا من ضروب المجـد أمـــثـالا

أنتم شــــــــــــرعتم إلى نيـل العلا قـدمًا    فأحدثـت في بلاد الغــــــــــــرب زلـــزالا

من ســــــــــوء حظ فرنسـا وهي مدبرة    أن تبتــغي لكـم قهـــــــــــــــــــــــــــرًا وإذلالا

إني أرى قلـم التاريــــــــخ يرمــــــــــــــقـكم    ليمـلأ الدهـر إكـبـــــــــــــــــــــــــــارًا وإجـلالا

مـن ذا أرى كابن بلّلا في صـــــــلابته    يكاد لو حال لون الشـمس ما حالا

ماذا سـتجني فرنســــــــــــــا من قتـالكم    إلا تحمـّلَ خـزي الدهــــــــــــــــــــر أثقـــالا

السخرية من انهزامها أمام الألمان:

   ومن عجائب حوادث الحرب العالمية الثانية ما جرى من سقوط مريع وسريع للدولة الفرنسية أمام غزاتها من جيرانها الأوروبيين الألمان، ولم تستطع الفكاك وتتحرر من الاحتلال الألماني إلا بقوات التحالف الأمريكي في نهاية الحرب، وذلك في وقت كانت فرنسا تستعرض عضلاتها على البلدان العربية والإفريقية التي تقع تحت احتلالها.

   وفي ذلك قال الشاعر حسن أحمد باكثير شامتًا وساخرًا:

يا فرنسا! يا بلاداً حاربت حيناً فَتُلَّتْ للجبين

صمدت للغزو أسبوعين ثم استسلمت للمعتدين!

يا بلاداً حررتها قوة الأحلاف من رقٍ مهين؟

اذكري إذ عجزت كفاك عن أن تدفعا عنك المنون

واذكري ما ذقت من عسف ومن خسف من ذل وهون

   وقال علي أحمد باكثير شامتًا بها وساخرًا منها:

أمة ولت من وجه العدو فرارا

من ضربته الأولى انهارت ككثيب الرمل انهيارا!

خاست بمواثيق أحلافها الباسلين

الذين توافوا إلى أرضها منجدين

ثم خرت ساجدة تحت أقدام أعدائها المعتدين

   وقال أيضًا:

يا لسخرية الأيام!

أتهددنا دولة في عهد السلام

بالسلاح الذي لم تقاتل به الأعداء

بل ألقت به في الثرى ساعة الهيجاء

تهافت شعاراتها وزيفها:

   تفاخر فرنسا منذ ثورتها على الملكية اللويسية بشعارات الحرية والمساواة والمدنية وما شابهها، وهي شعارات لا تتعدى أفواه رافعيها، ومحابر أوراقهم، وتقتصر إن طبقت على مواطنيهم الفرنسيين البيض النصارى، بينما سلوكهم في التعامل مع سائر الشعوب من عرب وأفارقة ومسلمين يخالفها، بل يعمل بعكسها وبكل همجية ووحشية، وللغرب عامة دعاوى عريضة عن الحريات ولاسيما في حرية التدين والدعوة للعلمانية، ومع ذلك نجدها تستعمل القوة في نشر أديانها القومية بين من لا يدين بها، كما عملت فرنسا في الجزائر، وفي سلوك فرنسا هذا يقول علي باكثير:

قامت فرنسا بتنصــير البرابر لم    تراع حــــرية كانت تراعيها

ما بالها وهي لا دينيــــــــــــة برزت    تفوح كثلكة تثني بواطيها

   وهي تسيء بذاك لمبادئها حين تفعل ما يضر الآخرين باسم الحرية، فيقول باكثير وهو ينحى باللائمة على مفهوم الحرية والانحراف به نحو التنصل من الأخلاق والقيم والدين:

أنكروا الرسل والديانات جـــهلا    أو قضاء لشــــــــــهوة نفسية

وانبروا يركضـــــون في حلبات الـ    ـفسق ركضًا بدعوة الحرية

قل لهم يا أغـــــــــرار مهلا ففي ذ    لكم الدرب هــــــــــــــوة أبدية

لا تظنـــــــوا حـــــــــــرية أن تبــــــــــــاروا    في مهاوى أهواءَ شيطانية

   وبدوره يقول حسين البار:

أين العدالة والإخاء يرف من فوق المنابر

أين التعايش بالسلام وكل قدسي وزاهر

أين التساوي يا ترى أين الموارد والمصادر

أم أنها في عرفهم كلم على ورق الدفاتر

تجري على رغباتهم بين المهازل والمساخر

   ويعود علي أحمد باكثير فيقول في عتاب شديد:

يا فرنسا يا مهد الثورة الكبرى!

يا ناشرة الحرية في الدنيا!

أي حق على قومنا تدعين؟

وبأي جميل علينا تمنين؟

أبما راج في سوقنا من لسان به ترطنين؟

وثقافة سوء أذلتك في العالمين!

فاذهبي وتوليْ بها عنا!

قد تبرأنا منها فلتُعِلن براءتها منا!

إنا لا نقبل من أحد عدواناً ومَنَّا!

اذهبي عنا بثقافتك الخانعة!

إن في الدنيا غيرها لثقافات حُرة واسعة!

   ومع ذلك فإن الحضرمي يقدر العيش على أساس التعايش السلمي بين شعوب المعمورة، والتفاهم الإنساني والمبادئ العادلة، ولعل أبرزها مبدأ الحرية التي أنشأ الشاعر محمد الشاطري قصيدة في تمجيدها، ومما قاله فيها، وبه نختم،:

وإذا الحــياة جرت بلا حـــــــــــــرية    فهي الشقاء وأصــــــل كل شكاة

غلط الأولى منعوا الشعوب حقوقها    سيحاسبون غدًا على الغلطات

فالوعي قد عــــــم البسيــطة كلها    والعصر عصر تيـــــــــــــــقظ وثبات

يا أيها المتمتعــــــــــون بها مـــن الـ    ـأفراد والأجــــــــــــــــــناس والهيئات

ما كان أوفــر حظكم بوسيـــــــــــلة   عظمى تعـــــــــــــــــــد لأنبل الغايات

قوموا بها ولتحســـنوا استعمالها    في العلم والأعمال والحسنات

فجميع من لم يحسن استعمالها عادت عليـه بأعظم الآفات

د احمد باحارثة