نشر الكاتب البرازيلي الشهير "باولو كويلو" قصة قصيرة يقول فيها:
"كان الأب يحاول أن يقرأ الجريدة، ولكن ابنه الصغير لم يكف عن مضايقته؛ وحين تعب الأب من ابنه قام بقطع ورقة من الصحيفة فيها خريطة العالم ومزقها إلى قطع صغيرة وقدمها لابنه وطلب منه إعادة تجميع الخريطة.. ثم عاد لقراءة صحيفته..اعتقادا منه أن الطفل سيبقى مشغولا بقية اليوم.. إلا أنه لم تمر خمسة عشر دقيقة حتى عاد الابن إليه وقد أعاد ترتيب الخريطة!!
فتساءل الأب مذهولا: "هل كانت أمك تعلمك الجغرافيا؟!
رد الطفل قائلا: "لا، لكن كانت هناك صورة لإنسان على الوجه الآخر من الورقة، وعندما أعدت بناء الإنسان، أعدت بناء العالم"...
كانت عبارة عفوية ؛ ولكنها كانت جميلة وذات معنى عميق "عندما أعدت بناء الإنسان، أعدت بناء العالم "، فالأهم بناء الإنسان ...!!
إن الرقيب الذاتي هو “الضمير الأخلاقي”، الموجود في كل شخص، والذي يمنع الشخص من الوقوع فريسة للانحراف، فكل إنسان لديه ضمير حي، وآخر ضميره ميت، وهذه مقولة على ألسنة الناس على مدار اليوم، ومعظم الجرائم الموجودة في المجتمع نتيجة ضعف الضمير، لأن الضمير هو مجموعة القيم والمبادئ التي يمتلكها الشخص داخله، نتيجة التربية الصحيحة، التي ينشأ عليها الطفل منذ صغره، عن طريق الوالدين في مرحلة ما قبل المدرسة، أي خلال السنوات الخمس الأولى، فهذا الضمير أشبه بـ"رادار داخل الإنسان" ينذر بوقوع الخطر، ويمنع الفرد من ارتكاب الخطأ.
فسُور الصين العظيم أحد عجائب الدنيا السبع، بُني في الأصل كمشروع دفاعي عسكري يتكون من حوائط دفاعية، وأبراج مراقبة، وممرات إستراتيجية، وثكنات جنود، وأبراج إنذار. وأثناء حكم أسرة مينج الملكية، بلغ طول هذا السور 7000 كيلومتر، كان يرابط عليه حوالي مليون جندي، ويمر بتضاريس جغرافية مختلفة ومعقدة؛ حيث يعبر الجبال، ويخترق الصحراء، ويجتاز المروج، ويقطع الأنهار.
ورغم هذا الإعجاز المعماري الهائل، إلا أن الصين تعرضت للغزو ثلاث مرات خلال المائة سنة الأولى من بناء هذا السور. وفي كل مرة، لم تكن جحافل العدو البرية في حاجة إلى اختراق السور أو تسلقه أو هدمه، بل كانوا يدفعون رشوة للحراس، ثم يدخلون عبر أبوابه. بكل بساطة، انشغل الصينيون ببناء البُنيان (السور) ونسوا بناء الإنسان الحارس)).
السؤال الذي يطرح نفسه: أين وكيف يمكن بناء الإنسان؟.
إن التنشئة الصحيحة، والبيئة المحيطة بالإنسان، خاصة في المنزل، وفي مراحل التعليم المختلفة، هي التي تبني شخصيته، وتُثمر شخصًا مؤهلًا طَموحًا مُنتجا مُبدعًا أو آخر خائبًا كسولًا مُحبطًا. الأمر أيضًا يتعلق بحريته وشعوره بالأمان؛ لأن الإنسان لا يستطيع أن يُنجِز شيئًا، إلا إذا كان حُرًّا، آمنًا في سِربه ونفسِه وأهلِه .
رحم الله :جارنا الحكيم الذي قال لي “ابنِ ابنك ولا تَبْنِ له”.
يقصد ابنِ ولدك وعلمه ودربه؛ ليعتمد على نفسه، ولا تبني له القصور والعمائر، فيضيعها إن كان مدللًا... حكمة عميقة مفادها:
"الإنسان قبل البُنيان "
د. علوي عمر بن فريد