"طبيب الغلابة" دكتور محمد مشالي مثال استثنائي لإنسانية الطبيب الذي لا يرى للطب قيمة خارج إحساسه بنبض الناس في قاع المجتمع، لا من يطفون على سطحه كبقع الزيت.
وهب حياته حتى آخر نفَس لمواساة مهدودي الحيل فاستحق أسمى لقب يناله طبيب، بلا بروتوكولات أو بهرجة إعلامية. إن د. محمد مشالي لم يتخذ المهنة سُلماً على أجساد منهكة لكي يُربي أملاكاً وعقارات تميت في قلبه الإحساس بأنه الآسي - لا القاسي - والشريك الأول في اقتسام الأسية مع كل مريض لا يملك ما يدخل به أي مشفى بقدمين واثقين بأن في الجيب مالاً يكفي لتكاليف يستميت غيره في جعلها باهظة قاصمة.
تابعت جنازته اليوم في طنطا عبر بث مباشر بالفيسبوك. كانت بسيطة، وأهلوه بسطاء مثله، لكن فخورون، بحجم الأسى، بأن كان النموذج الذي تعلموا منه كيف تكون القيم خارج اللغة، تسعى على قدمين، وإن كانتا متعبتين كقدمَي طبيب الغلابة.
لم يكن د. محمد درويشاً يدير ظهره للحياة، ولكنه كان مثالاً أيضاً في رعاية إخوته وأبناء أخيه، وتنشئة أولاده، ورعايتهم وتأهيلهم، كي لا يكون نهجه الإنساني في ممارسة المهنة، وجهاً آخر لإهمال من هم إليه أدنى.
سيرة "طبيب الغلابة المصري" الأصيل جديرة بتعميمها، في كل مدينة، فالغلابة أكثر من سواهم، ولاشك أن هناك أطباء غلابة مثله، في كل بلد، لكن لعل الإعلام لم يسلط الأضواء عليهم، لكنهم قلة، بل لعلهم نادرون.
* الطبيب إنسان قبل أن يكون من ذوي العيادات التجارية.