لم تعد لعنتي الجغرافيا والثروات لوحدهما من يطارد الجنوبيون ليحل عليهم غضب الطامعون والمستعمرون بل صار حسن نواياهم ونخاسة بعض ابنائهم لعنات اخرى تثقل كاهلهم وتجلب لهم سؤ الحظ والطالع .
فطيبة الجنوبيون الزائدة وحسن نواياهم وتعاملهم العاطفي في القضايا المصيرية تحول الى كابوس مرعب يقض مضاجع تطلعات قضاياهم الوطنية ، ويهد آمال مشاريع غدهم المنشود، محولا" واقعهم المعاش الى جحيم يغتال الوطن ويبيد الثروة ويذبح الارض والانسان جنوبا"بتقبيل تارة وبلا تقبيل تارات.
كذلك نخاسة بعض ضعيفي النفوس من الجنوبيون وتغليب مصالحهم الشخصية على مصالح بلدهم وشعبهم جعل من وطنهم كسلعة رخيصة تتدوال في اسواق نخاسة الاوطان وباتت ككفن يلف بداخله الوطن المقتول ليدفن بعدما تنهشه وتشبع منه كلاب الاستعمار المسعورة .
ولطالما كانت هاتان الصفتان السلوكيتان تشكلان نقطتا ضعف لدى الجنوبيون ماضيا "وحاضرا" وكانت السبب في ايقاعهم قديما" وحديثا" في شراك الطامعون المحتلون والذي بسببهن ايضا" تم يمننة جنوبهم عام 67 وخسروه عام 90 فقد استغل اعداء الجنوب هذه الثغرة القاتلة ابشع استغلال ليعزفوا عليها الحان اطماعهم والتي استطاعوا من خلالها اختراق الجنوب والنفوذ للارض والانسان والتغلغل داخل مجتمعه ليتمكنوا من ضربه وتمزيقه واضعافه وتأخيره مئات السنين بل وصادرا حق شعبه في العيش والحياة واستملكوا ارضه وثرواته وطمسوا ارثه وتاريخه وهويته فصار شعبه شعب يعيش على الهامش بعدما كان هو كل الكتاب وصفحاته واسطره.
لم يتعلم جيل الجنوب اليوم من دروس الماضي القريب ولم يعتبروا من اخطأ اسلافهم السياسية القاتلة الذي اوقعتهم طرائد سهلة في شراك المحتلون والطامعون ليعيدوا اليوم تكرار نفس الخطأ القاتل في تعاملهم مع الحاضر بنفس ادوات ووسائل الماضي المأساوي لينتجوا غدا" مستقبل اقل مايقال عنه انه كارثي بكل ماتعنيه الكلمة من معنى.
نعم في عالم اليوم عالم قانون الغاب الذي تحكمه القوة والمصالح وتقوم سياسته على قاعدة ( لا يوجد صديق دائم ولا عدو دائم بل توجد مصالح دائمة ) ، استخدم الجنوبيون لاستعادة حقهم المغتصب اسلحة بدائية صدئة عفى عليها الزمن وصارت جزء من الماضي ، اسلحة ليست مضمونة ولم يعد لها اي معنى في عصر الثورة الاقتصادية الرافعة لشعار ( معك شيء تسوى شيء . مامعك شيء ماتسوى شيء ).
نعم هي اسلحة تحطمت فوهاتها في اول طلقة ومن اول اختبار ولم تصمد امام واقع قانون المصالح الذي لا يوجد في قاموسه حسن نوايا ووعود واعراف لتغدو وعود شركائهم مجرد وعود سرابية غلفت باحلام الغد الوردي لتخفي تحت جلبابها اجندات النفوذ والاطماع ومصالح الارض والثروة جنوبا"، احلام بددها واقع الارض وحالها اليوم وحولها الى اضغاث انما بنيت على صروح خيال العاطفة والثقة المفرطة والتبعية العميأ لم تلبث حتى تحولت الى كوابيس كشرت عن انيابها لتسرق النصر وتفترس التضحيات وترمي بسنين النضال عرض الحائط لتنهش الجنوب ارضا" وانسانا" وتصادر الحق مجددا".
نعم فقد استخدم الجنوبيون في تعاملهم مع الخارج سلاح الاخوة في عهد استعمار الاخ لاخيه ، واستخدموا واحدية الهدف والمصير في عالم لا يعترف الا بواحدية المصالح ، واستخدموا سلاح المثالية والصدق في عالم نفاق مخادع اناني شعاره ( انا او الطوفان من بعدي ) ، ورفعوا شعار الدفاع عن القومية والدين في عالم تستعبد فيه الشعوب الحرة وتحتل بلدانها وتنهب ثرواتها بأسم القومية وتقتل وترهب وتباد شعوبها بأسم الدين . واستخدموا حسن النوايا في عالم شعاره القانون لا يحمي المغفلين ، وبالمقابل استخدم الجنوبيون في تعاملهم مع الداخل سلاح التصالح والتسامح مع نخاسي وطنهم الغير متسامحين ولا متصالحين حتى مع انفسهم الذين استغلوا مبدأه السامي للعودة للماضي لا للانطلاق نحو المستقبل،
اذا" هي ادوات صدئه ووسائل خاطئة استخدمت في الزمان والمكان الخاطئ والمحصلة ذبح الوفأ الجنوبي ساجدا" متقبلا" للكعبة وعلى الطريقة الاسلامية ناهيك عن التفريط بنصر كان في متناول اليد ووطن استعاد للحظات بعد نضال مرير وشاق استمر لعقود لم ينقصة غير اعلان البيان رقم واحد ولم تدم نشوة استعادته غير ايام معدودات ليسلم مجددا" على غفلة لمحتليه بداعي التكتيك السياسي وتقديم حلول صراع المصالح بين الاخوة المحتلون على صراع مشاريع استحقاق الاوطان بين الاعداء ورغم ان الاخير هو مفتاح حل لغز الاول .
اذا" خصلتان سلوكيتان ذبحتا الجنوب ماضيا" وحاضرا" وستذبحاه مستقبلا" فأن لم يتعدلا ويتغيرا ستظل لعنتي الجغرافيا والثروات تطاردهم للابد ، فالاولى بحاجة الى مدارس سياسية لتعليم مفاهيم السياسة والاخرى بحاجة الى مدارس وطنية لتعليم مفاهيم حب الوطن والوفأ والولاء والانتماء ودون ذلك سيبقى مصير الجنوب معلقا" بين نخاسة بعض ابنائه وحسن نوايا بعضهم الاخر الى ماشاء الله .
غيروا لعنات السلوك تسلموا من شر لعنات الطبيعة.
ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم .
*- زيد المردعي