الشدائد تختبر معادن الرجال وتختبر قوة الأوطان وتظهر القيم والمبادئ التي ترتكز عليها، بل وترسم معالم المستقبل فمن الأحداث القاسية خرجت الزعامات التي قادت الأمم فكما خرج تشرشل من الحرب العالمية الثانية ليقود بريطانيا بعد ما حل بعاصمتها لندن من خراب ودمار خرج نيلسون مانديلا من سجون العنصرية لينقل بلاده إلى فضاء الحرية وكسر قيود العنصرية، فالأحداث الجسيمة تصنع الزعماء الكبار وترسم مستقبل أوطانهم، وكذلك فعلها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، عندما خاف العالم من جائحة أدخلت الدول والعواصم في اضطرابات وصعوبات لحجم الجائحة فظهر محمد بن زايد مختلفاً استثنائياً في التعامل مع أدق التفاصيل متمسكاً بكافة القيم والقواعد، التي نشأ هو وبلاده عليها على يد مؤسسها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان يرحمه الله.
بينما أغلقت الدول مطاراتها كانت طائرات الإمارات تحمل الأطنان من الأدوية والأغذية لكل دولة تطلب المساعدة، هذه اللحظة الاستثنائية التي تتحول فيها الأقوال إلى أفعال، فكل ما كانت تطلقه الإمارات في سنوات ماضية من دعوات للتسامح والتعاون والتعاضد تحول إلى أفعال لمستها شعوب الأرض من خلال أجنحة الرحمة التي حملت المساعدات للبشرية التي كانت تعيش اختناقاً جراء المفاجأة التي نزلت على شعوب ضاقت عليها الأرض بما رحبت إلا من وطن استثنائي يعرف كيف يجعل من المحنة منحة.
استند الشيخ محمد بن زايد في تعامله مع جائحة كورونا على إرث والده الذي تعايش مع بلاد صحراوية قاسية في طبيعتها، فحولها بإيمانه إلى دانة الدنيا وزهرة يشير إليها أهل الأرض كمعجزة من المعجزات. بالصبر والحكمة تحدث محمد بن زايد لأهله في الإمارات وتعهد لأهله بتأمين الغذاء والدواء فبعث في النفوس الأطمئنان والأمن، ومنها انطلق في إدارة أزمة صعبة إلا على المؤمنين بقدرات أوطانهم على اجتياز الأزمات، وهكذا هي الإمارات تجيد تحويل المستحيلات إلى ممكنات، فهذه قدرة الرجال الذين صنعوا من الصحراء حدائق بعد أن كانت قاحلة لا أحد يرغب فيها.
مئات المستشفيات الميدانية أنشأتها الإمارات في مدن العالم، الاستثمارات في العالم تحولت إلى مستشفيات ومقرات إغاثة فيما كانت الإمارات تمارس ما اعتادت عليه في تاريخها من تحطيم الأرقام، فكسرت حاجز المليون فحص على المقيمين والمواطنين من وباء كورونا تحقيقاً للأمن الصحي في داخل الدولة، فكلما كانت المناعة الداخلية قوية كلما كانت البلاد قادرة على أن تتعاطى مع الأزمة بفعالية، وهو ما حدث ويحدث بكثير من الإيجابية.
يستند محمد بن زايد على بنية تحتية في مختلف القطاعات جعلته قادراً على أن يجتاز الأزمة ويقدم نموذجاً استثنائياً سيخلده التاريخ الإنساني، فمنذ أن تأسست الدولة الاتحادية الإماراتية ضخت القيادة أكثر من تريليون درهم في البنية التحتية من خلال الميزانيات الاتحادية لتؤسس لدولة قوية قادرة على أن تتعامل مع أقسى الظروف وأصعبها فلم يكن النصف قرن الذي شكّل عمر الدولة الاتحادية من أعمال مهدرة بل وضعت في مواضعها لتشكيل هذا البناء المتين القوي.
إصرار القيادة الإماراتية على العبور بالعالم لم يتوقف عند تقديم المساعدات والإغاثة، بل بلغ لتقديم علاج لوباء كورونا خرج من مختبرات الإمارات ليحمل بشارة خير لكل أهل الأرض، وليؤكد مرة أخرى أن المعجزات تصنعها الإمارات عبر بناء مؤسس بقوة وعلى قواعد ثابتة لا تتزحزح، ولا يمكن لها أن تهتز، فهي كالجبال القوية وكذلك هم رجال هذه البلاد ثابتين شامخين، يمثلون قيمَ ومبادئ والدِهم المؤسس العظيم لهذا الكيان الاستثنائي، الذي صدق الوعد في أزمة طارئة ستمضي وستبقى الإمارات وقيادتها الرشيدة عنوان مرحلة من التاريخ الإنساني.