منذ أن أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب في مايو 2018 الانسحاب من الاتفاق النووي، خاضت الولايات المتحدة وإيران معركة (عض الأصابع) بداية من تدرج واشنطن، في فرض العقوبات الاقتصادية على النظام الإيراني، حتى تقليم الأظافر الإيرانية، في المناطق التي استثمر فيها الإيرانيون على مدى العقود الأربعة التي تلت الثورة الخمينية عام 1979.
في صراع عض الأصابع، تدرجت المراحل بين الشد والجذب، وبقي الرهان الإيراني على مدى قدرة المليشيات الموالية لها، على تغيير التوازنات بما يضمن لإيران البقاء في دائرة ما يمكن أن تحصل عليه بعد الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي، وعلى ذلك تغيرت اساليب الهجمات الإرهابية التقليدية، خاصة لدى حزب الله اللبناني والحوثيين في اليمن، ضمن استراتيجية إيرانية تحاول إظهار قدرة النظام الإيراني على تشكيل الضغط الموجع للأميركيين، عن طريق الشركاء في الاتفاق النووي، وتحديداً الفرنسيين الذين كانوا يأملون أن يحقق الاتفاق عائدات مالية للاقتصاد الأوروبي.
لكن فشل ميليشيات الحوثي، في إصابة الأهداف السعودية، من خلال الصواريخ البالستية، كان من الأشياء التي تغيرت، بعد أن تزايدت العقوبات الأميركية على إيران، واللافت دخول عنصر جديد في الصراع، باستهداف الأراضي السعودية عبر الطائرات من دون طيار وعلى أهداف مدنية، وهنا تحديداً لابد من استيعاب مسألة مهمة، هي أن الحوثيين يصرون على إصابة أي هدف ولو كان مدنياً داخل السعودية، لبحثهم عن انتصار إعلامي، أمام مؤيديهم في الداخل اليمني، ويراهنون بعد ذلك على أن تشكل هذه الاستهدافات ضغوطاً على الرياض، لتغيير موقفها من استعادة الشرعية في اليمن.
في مايو 2019 استُهدفت السعودية بهجوم على أنابيب النفط في الدوادمي وعفيف، وهو ما يعرف بـ (خط شرق غرب)، واللافت أن الهجوم تضاربت بشأنه الجهة التي أطلقت الطائرات المُسيرة، ففيما تبني الحوثيون الهجوم أولاً، تواردت أخبار بأن الجهة التي تقف خلفه هي المليشيات الموالية لإيران في العراق، وتحول المشهد إلى مزايدة، أكدت أن حرب عض الأصابع بين طهران وواشنطن، لن تنتهي فصولها عند هذا الحد.
بعد القرار الأميركي الانسحاب من الاتفاق النووي، كان الإيرانيون قد أعلنوا بشكل واضح، أنهم لن يسمحوا لأحد بتصدير النفط في المنطقة، متى ما تم منع إيران من التصدير، وكانت أزمة مضيق هرمز جزءاً من النوايا الإيرانية الحقيقية، لكنها كانت إلى جانب سياسة عض الأصابع، التي تزايدت عندما بدأت مليشيات الحوثي زيادة استهداف مطار أبها السعودي عبر الطائرات المُسيرة، مما أكد أن الذراع الإيرانية في اليمن كانت الأكثر اندفاعاً تجاه تنفيذ الأوامر المباشرة، سواء من ناحية اختبار مدى الصبر السعودي أو اختبار مدى القدرة الأميركية على تخفيف العقوبات والتنازل عن الشروط الأميركية للتفاوض على اتفاق نووي جديد.
على مدى أربعة عقود، ظلت السياسة الإيرانية واحدة وظل سلوكها ثابتاً، فهي تنتهج دائماً سياسة الدفع نحو حافة الهاوية، حتى وإن تحملت تبعات تلك السياسة خسائر فادحة، كما حصل عندما خاضت مع العراق حرب السنوات الثماني، لتنتهي بتجرع كأس السم، بحسب وصف الخميني، عندما قبل وقف إطلاق النار مع نظام صدام حسين، وهذه السياسة الإيرانية تعاملت معها المنطقة طويلاً، وهي تدرك أن الإيرانيين طالما اعتقدوا أن سياساتهم التصعيدية واستفزازاتهم، ستحقق لهم مكاسب سياسية، باتت في العقد الأخير أكثر شراسة، في توسع النفوذ وتفكيك الدولة الوطنية العربية.
الإيرانيون الذين سارعوا إلى نفي صلتهم بالهجوم الإرهابي على أرامكو، هم أنفسهم الذين كانوا قد أعلنوا عدم صلتهم بتفجير أبراج الخبر عام 1996 عبر ذراعهم حزب الله الحجاز، كما أنهم طالما مارسوا الهروب والتملص من مسؤوليتهم عن التفجيرات الإرهابية التي وصلت إلى بيونس آيرس في أقصى أميركا اللاتينية، وذلك سلوك إيراني معتاد.
ما تبقى هو التداعيات التي ستؤثر في أسواق الطاقة، وستضع دافعي الضرائب في أوروبا وغيرهم، أمام ارتفاع أسعار الوقود، الذي سيعمل على الدفع باتجاه تحديد المواقف من السياسات الإيرانية، التي شكلت خطراً تجاوز منطقة الخليج، ليلامس سكان العالم ويضر بمصالح الدول والشعوب، مما سيستدعي اتخاذ إجراءات أكثر صرامة لردع السياسة الإيرانية، التي شكلت في كل عقود الثورة الإيرانية أزمات دولية، آن لها أن تنتهي بمعالجة جذرية، توقف الطموحات الآيديولوجية التي يقوم عليها نظام إيران.