تحت هذا العنوان قدم مؤتمر شعب الجنوب اليوم الاثنين رؤيته لجذور القضية الجنوبية وذلك أمام فريق القضية في مؤتمر الحوار الوطني , وشملت العديد من الإبعاد التاريخية والقانونية والسياسية وغيرها.. وكانت الرؤية مرفقة معها بعض الخرائط والوثائق التاريخية.
لأهمية الرؤية تعيد شبوة برس - نشرها
الملخص التنفيذي
فشلت الجمهورية اليمنية لأنها حولت فكرة الوحدة من اتحاد بين دولتين يهدف إلى تنمية البلدين وتحقيق الاستقرار وتحسين حياة الناس كما نظر لها الكثيرون إلى كابوس مرعب فقد تحول هذا الحلم المثالي للوحدة بين الدولتين إلى مجرد ضم والحاق (عودة الفرع للأصل) دفع الجنوبيين للوقوف في وجه هذا المسعى الذي قادته مراكز القوى التقليدية في صنعاء ورجال دين" وبدلا من أن يتم تعزيز الوحدة وجعلها جاذبة للجميع جرى أقصاء واستبعاد الجنوب شعبا ونظاما وهوية و ثقافة وابقوا عليه أرضا مستباحة وهو ما دفع الشعب الجنوبي أن ينتفض ويرفض الاستكانة لهذا المصير الذي أرادته هذه القوى المتخلفة له وليخلع عنه وبصورة مستمرة لا لبس فيها يمننه قسرية لم يكن له أي راي في اختيارها.
البعد التاريخي:
أقل من قرن من الزمان منذ ظهور أول فكرة لليمننة السياسية في منطقة جنوب الجزيرة العربية وذلك بإعلان قيام المملكة اليمنية المتوكلية في عام 1918م. وفي هذا العام تحولت اليمن لأول مرة من جغرافيا إلى هوية ، فاسم اليمن لم يكن قبل هذا التاريخ إلا دلالة على اتجاه جغرافي ولم يكن يمثل هوية او دولة. ارتكزت هذه الهوية على التوسع وضم كافة المناطق التي تقع تحت مسمى اليمن أسموها الفروع وضمها إلى الأصل صنعاء.
وبعد انقلاب سبتمبر 1962م شعر الائتلاف القبلي بموجة التغيير القادمة فركب الموجة واخترقها وحرفها وهو ذاته الواقع الذي أعاد نفسه عند قيام مراكز القوى بركوب واختراق ثورة فبراير 2011م و محاولة احتوائها وحرفها عن مسارها كما احتويت انقلاب سبتمبر وحرفته عن تحقيق أهدافه.
ومع تنصيب صالح رئيسا تم تقسيم السلطة بين ثلاثة مراكز قوى عسكرية وقبلية ودينية. وكان ذلك التقاسم يعني تقاسم الثروة والسلطة، أن كل واحد من الثلاثة له حصته سواء في التعيينات لكبار المسئولين او لصغارهم أو في التجنيد في الجيش او في الموازنة العامة للدولة او القطاعات الاقتصادية أو في غير ذلك ، وبدأ عصر مراكز القوى في تسخير كل مقدرات الوطن لمصالحهم وتم التعبئة للهوية اليمنية وبناء الدولة بهدف الحفاظ على تماسك البلد خدمة لزيادة ثرواتهم، والجنوب كان احد الأطماع الاستراتيجية لمراكز القوى التي تم التخطيط والتنفيذ لها بعناية ودهاء.
البعد القانوني :
إن الشعب في الجنوب المقيم على أرضه منذ الاف السنيين إنما قد دخل الوحدة على أساس اتفاقية شراكة مع شعب الجمهورية العربية اليمنية وهو في هذه الحالة لم يبيع أرضه وثرواته ومؤسساته ولم يرهنها لأحد بل كان دافعه للوحدة هو الآخاء اليمني والعربي والإسلامي والقومي ولكن هذه الوحدة ضربت في الصميم بإعلان الحرب في 1994م من قبل سلطات صنعاء.
4
أن الوحدة التي قامت بين الدولتين في الشمال والجنوب لم تكن قائمة على أسس وقواعد القانون الدولي والمواثيق الدولية كما أن اتفاقية الوحدة المبرمة لم تكن بين دولتين ذات سيادة وأعضاء في العديد من الهيئات والمنظمات الدولية والعربية ولم تشرك أي من هذه الهيئات وتحديداً منظمة الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية في التوقيع على هذه الاتفاقية ولو حتى كشهود ولم تنشر تلك الاتفاقية او تودع لدى الهيئات الدولية ولا يعلم الشعب في الجنوب والشمال عن هذه الاتفاقية شيء سوى ما تسرب بانها من صفحة ونصف الصفحة وهي مساحة لا تكفي حتى لعقد تأجير محل.6
البعد السياسي :
باعتماد سلطة الحرب والأساليب العسكرية والأمنية المختلفة لإحكام مراكز القوى في صنعاء سيطرتها على جغرافيا الجنوب والفيد والنهب المستمر على مقدراته وثرواته، مستخدمة مختلف الأساليب والسبل لاستدعاء جراحات وخلافات الماضي بهدف تفكيك البنيه الاجتماعية والسياسية، فاتبعت سياسة التعاقدات الانتقائية لضمان التمثيل الشكلي للجنوب وإفراغه من محتواه كمؤسسات دولة قامت على النظام والقانون.
ان حرب صيف 1994م أحدثت تصدعات عميقة في جدار الوحدة، ومما زاد الأمر سوءاً الممارسات التي أعقبت الحرب و انفراد السلطة في صنعاء بحكم دولة ما بعد 94م، كما أنها لم تقم لحل المشاكل الناجمة عن حرب، بل إنها استعذبت نتائجها المأساوية ووظفتها لتكريس سياسة النهب و الإقصاء والاستبعاد و التسلط في حين يردد مواطنون من الجنوب أن السلطة الى جانب تسريح عشرات الألاف من المدنيين و العسكريين عقب الحرب الأهلية في 1994م، قد أطلقت يد الفاسدين و النافذين لنهب أراضي الجنوب و بيع مؤسساته العامة إلى المقربين، إلا أن قرار تسريح آلاف العسكرين و المدنيين هم من أطلقوا شرارة (الحراك الجنوبي)".
البعد الاقتصادي :
(أقسم الرئيس علي عبدالله صالح، بتحويل عدن الى قرية) قد تكون من الاقاويل التي يرددها الناس وقد لا يكون القسم حقيقياً لكنه بالتأكيد ما جرى على ارض الواقع فبموجب اتفاق الوحدة اصبحت مدينة صنعاء عاصمة الكيان الجديد. وبسقوط صفة العاصمة السياسية عن عدن، وعدم مصداقية تحويلها الى عاصمة اقتصادية وتجارية عانت مدينة عدن من تدهوراً لكل مقومات الحياة فيها وبشكل خاص في الجانب التجاري والاقتصادي.
وقد اسهمت هذه السياسة في الجنوب في تعطيل مصالح التجار وانتشار الفساد بصورة غير موجودة في مناطق اخرى في اليمن.
وامرت الدولة مكاتب شركات النفط العاملة في اليمن والتي كانت قد اتخذت من مدينة عدن مقراً لها بالانتقال الى صنعاء واغلاق كافة مكاتبها في عدن، كما عملت الدولة بفرض تعريفات مختلفة للخدمات الاساسية ارخص في الشمال عن الجنوب فعلى سبيل المثال فأن مكالمة هاتفية داخل مدينة صنعاء ارخص بـ40% منها في عدن وبـ50% عنها في المكلا كما أن سعر الكيلو وات/ساعه من الكهرباء في الشمال للبيوت السكنية او للأغراض التجارية والصناعية ارخص عنها في الجنوب بفروقات تتجاوز الـ30%.
البعد الثقافي والاجتماعي :
يشير الواقع إلى أن هناك ثقافة مدنية تأسست لعقود في الجنوب أحدثت تحولاً في سلوكيات الجنوبيين، فبات ترسيخ مبدأي النظام والقانون في الاحتكام اليه هما المؤشران الرئيسيان للدولة في الجنوب.
إن هذه النهضة الثقافية الاجتماعية في الجنوب والتي للأسف تم القضاء عليها بعد قيام الوحدة مباشرة في العام 1990م بفعل السياسات الخاطئة والممنهجة لسلطات صنعاء وبشكل سافر بعد حرب صيف 1994م، فبدلاً من تسخير قدرات البلد وثرواته في تطوير التعليم، باعتباره احد اهم ركائز بناء الإنسان و أداة التنمية وهدفها والثروة الحقيقية لأي مجتمع، حدث تراجعاً كبيراً لما تم إنجازه في مرحلة ما قبل الوحدة، حيث عملت عقلية المنتصر بعد حرب صيف 1994م، على صياغة سياسة تعليمية تنسجم ومصالح الفئة الأقل والمسيطرة على مقدرات الجنوب ومستقبل أبنائه، بالإضافة إلى تدمير منظومة القوانين الاجتماعية، التي أسست لقيم إنسانية حضارية وعلاقات متكافئة بين جميع أفراد المجتمع في الجنوب.
لقد تحقق للمرأة الجنوبية المساواة وتكافؤ الفرص في مواقع صنع واتخاذ القرار من سبعينات القرن الماضي فهي اول قاضية واول نائب وزير واول عميد كلية اقتصاد واول مذيعة تلفزيون واول مذيعه إذاعة واول مالكة ورئيس تحرير لصحيفة على مستوى الجزيرة العربية.
إحياء النعرات والثأرات القبلية واستخدام الدين من قبل السلطات الشمالية كانت اللعبة الخطرة في السياسة اليمنية الداخلية . حيث بدأ السلطة في الشمالي بالإعداد لحرب 1994 بالترويج لفكرة "إن الجنوبيين ما هم إلا شيوعيون كفرة" وان قتلهم ونهبهم وانتهاك أعراضهم حلال وجاءت فتوى الشيخ عبدالوهاب الديلمي عضو مجلس شورى حزب التجمع اليمني للإصلاح سيئة الصيت لتحفر جرح غائر في قلوب الجنوبيين. 6
إن الحصيلة السوداوية لما اسمي بالوحدة كانت كافية لإسقاط مشروع يمننة الجنوب و تراجع المدافعين عنها وخروجها من وعي الجنوبيين والى الأبد.
المدخل:
القضية الجنوبية هي قضية شعب ودولة وهوية، تعبر عن حقوق تاريخية، قانونية، اقتصادية، ثقافية، و اجتماعية لشعب الجنوب. لقد اعلنت الوحدة اليمنية في 22 مايو1990م بين كيانين مستقلين ذوي سياده منفصله إذ تحقق للجنوب استقلاله في 30 نوفمبر1967م كدولة ذات سياده وبشخصية اعتبارية في منظومة الأمم المتحدة والمنظمات التابعة لها وكذا جامعة الدول العربية والمنظمات الدولية ذات الصلة وينطبق نفس ما ورد اعلاه على الجمهورية العربية اليمنية التي تحققت ثورتها في 26 سبتمبر 1962م.
إن حل القضية الجنوبية يحظى اليوم باهتمام دولي بالغ لما له من تأثير في استعادة الامن والاستقرار والتوازن السياسي في اليمن والاقليم بشكل عام ولما يشكله عدم الحل من خطر داهم ليس على الاقليم فحسب ولكن على الاستقرار العالمي .
إن الوحدة اليمنية التي هرب نحوها النظامين الشموليين في الشمال والجنوب كمخرج لهما اصبحت في واقع الامر مأزقاً دفع بشعب الجنوب نحو الهاوية جراء السياسات والمكائد للسلطات في صنعاء التي دفع الجنوب ثمنها باهضاً من مقدراته وثرواته وحقوق الانسان التي شهدت تدهوراً في الجنوب لم يسبق له مثيلاً في تاريخه.
فنحن أمام بناء سياسي مدمر ابرز سماته حالة ألا دولة من مايو 1990 حيث جرى الغاء الشرعية السياسية للدولتين شمالاً وجنوباً تحت غطاء إعلان الوحدة بينما فشل الإعلان الوحدوي ولم تقم شرعية سياسية بديلة فبدأت الأزمة التي انتهت بحرب ابريل 1994م التي قضت على كل محاولات الابقاء على مشروع الوحدة وتدرجت هذه الازمة القائمة في تشكل حلقاتها عبر فترات زمنية مختلفة منذ ما بعد حرب صيف 1994م وظهور قضية الجنوب وطرفاها الجنوب والشمال، شمال اراد فرض الوحدة بالقوة وجنوب رافض لواقع فرضته القوة والحرب .
شهدت حرب 1994م تسخير وتعبئة دينية وقبلية تحت شعار المحافظة على مشروع الوحدة اليمنية بينما الحقيقة لم تكن سوى بهدف نهب مراكز النفوذ لثروات الجنوب حتى وقتنا الحاضر. والصدام المسلح الذي حدث في عام 2011م بين علي عبدالله صالح وال لحمر لم يكن بسبب موالاتهم للثورة بل لرفض ال لحمر توجه علي صالح في توريثه الحكم لابنه والانحراف عن الاتفاق الذي ابرم عند تنصيبه رئيسا أن تكون المرجعية لمراكز القوى ... كانت حربا للحفاظ على السلطة وتثبيت مرجعية مراكز القوى الثلاث على حساب مرجعية أسرة على صالح.
إن اخر مشاهد القضية الجنوبية في تعبيراتها السياسية والشعبية تتبلور في المشاهد المليونية الضخمة، وهي تعبير صارخ على ان القضية الجنوبية تتجاوز الرؤى المعزولة والنظرات السياسية الضيقة والزعامات السياسية والوجاهية الى تشكيل موقف الشعب في الجنوب وليس هناك اكثر من هذا الدليل يستطيع أن يؤكد ويثبت القضية الجنوبية بكونها حقيقة حاضرة وماثلة أمام العيان ليس بحاجة لذاكرة ماضوية او خيال مستقبلي إلا في سبيل العبرة من وفي سبيل وضع الحلول التي لم تعد تقبل المراوغة والتحايل فالمسألة أكبر من تفاصيل مصلحه صغيرة وهي اليوم كبيرة بمستوى الشعب الذي يخرج الى الشارع بالمليونيات.
أولا : البعد التاريخي:
نشأة الهوية اليمنية
ظهر اسم اليمن أولا باسم يمنات كمنطقه في اطار كيان يشمل معظم جنوب الجزيرة العربية وليست كدوله. ولم يظهر اسم اليمن كمسمى دوله ،إلا في عهد المملكة اليمنية المتوكليه في عام 1918م التي اعلنها الإمام يحي حميد الدين ،وعلى أراضي الدول القديمة سبأ ومعين وجزءاً من أراضي أوسان وقتبان وكذا أراضي ما كان يعرف بالدولة الإدريسية التي اصبح معظمها ضمن الأراضي السعودية بعد اتفاقية الطائف عام 1934م. ولم تكن عدن والمحميات الغربية من هذه الأراضي .
وفي هذا العام تحولت اليمن لأول مرة من جغرافيا إلى هوية ، فاسم اليمن لم يكن قبل هذا التاريخ إلا دلالة على اتجاه جغرافي ولم يكن يمثل هوية او دولة.
احتواء الهوية الجديدة :الاستغلال السياسي والديني والاقتصادي للهوية اليمنية لمراكز القوى للبسط على ثروات اليمن والجنوب.
قرن من الزمان أو يقل عن ذلك منذ ظهور أول فكرة لليمننة السياسية في منطقة جنوب الجزيرة العربية وذلك بإعلان قيام المملكة اليمنية المتوكليه في عام 1918م. في محاولة للخروج بمشروع الدولة الوطنية بعد إدراك الإمام يحي بن حميد الدين عمق المتغيرات التي طرأت على الساحة الدولية بعد الحرب العالمية الأولى، خصوصاً بعد افول الامبراطورية العثمانية و تقاسم ارثها بين أطراف محلية وأخرى دولية.
في ضوء هذا المعطى الجديد كبرت أحلام الإمام وحلفائه من القبائل وزادت أطماعه في ضم المزيد من الأراضي لزيادة مداخيله من الخراج من مناطق يحلم بضمها إلى مملكته فكان أن اعتبر ان ما هو جنوب الطائف ومكة إلى مضيق يمين الكعبة يدخل ضمن حدود مملكته الطبيعية، ولذلك دخل حروبه المعروفة ضد الأدارسة في إقليم عسير ونجران وضد سلطنات الجنوب ابتداء من بداية القرن الماضي لينتهي به الأمر إلى توقيع اتفاقية الطائف بعد خسارة حربه ووصول القوات السعودية إلى بيت الفقية قرب الحديدة في 1934م واتفاقية اعتراف مع سلطنات الجنوب وبريطانيا في الجنوب ، لينسحب بموجبها من بعض الأطراف التي احتلتها قواته في حدود المناطق الجنوبية ويقر فيها بالحدود القائمة بين الطرفين.
الهوية اليمنية الجديدة شكلتها وغذتها مراكز القوى الثلاثة الرئيسية في صنعاء وهي ارتكزت - هذه الهوية - على التوسع وضم كافة المناطق التي تقع تحت مسمى (اليمن) اسموها الفروع وضمها إلى الأصل صنعاء. هذا التماسك بين القوى الثلاث تعرض مع المتغيرات المحلية والاقليمية للضعف ، شهدت فيها المراحل اللاحقة الضعف المستمر لأحدى تلك المراكز في مقابل زيادة نفوذ القبائل الاخرى و سلطة صنعاء.
ومع اندلاع ثورة سبتمبر 1962م شعر الائتلاف القبلي بموجة التغيير القادمة فركب الموجة واخترقها ومثلت فيها حاشد القوة الرئيسية المدافعة عن الثورة حتى اعتقد الكثير من أبناء حاشد أن الثورة لم تقم إلا بسبب ما لحق بمشايخ حاشد من قبل الإمام احمد، و كان الكثير من القبائل التي حاربت مع الملكيين تنظر إلى الثورة على أنها ثورة حاشد، وهو ذاته الواقع الذي أعاد نفسه عند قيام نفس القوى بركوب واختراق ثورة فبراير 2011م واحتوائها كما احتوت انقلاب سبتمبر.
ورغم التقاسم بين مراكز القوى الثلاث والذي تم الحفاظ عليه طيلة فترة حكم القاضي عبد الرحمن الأرياني مع تغيير في أسماء شاغلي المواقع، فقد كان واضحا أن هناك هيمنة ومنافسة بين اطراف القبيلة. وفي هذا المنعطف التاريخي بالذات برز شيخ حاشد كصانع للرؤساء. وفي عهد صالح تم تقسيم السلطة بين المراكز الثلاثة. وكان ذلك التقاسم يعني تقاسم الثروة والسلطة، أن كل واحد من الثلاثة له حصته سواء في التعيينات لكبار المسئولين او لصغارهم أو في التجنيد في الجيش او في الموازنة العامة للدولة أو في غير ذلك ، وبدأ عصر القبيلة في تسخير كل مقدرات الوطن لمصالحها وتم التعبئة للهوية اليمنية وبناء الدولة بهدف الحفاظ على تماسك البلد خدمة لمصالحها وتوسيعها.
قيام جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية
استفادت اليمن بعد ثورة سبتمبر من حالة المد القومي التي عمت المنطقة العربية والدعوة إلى توحد الأمة لكي تعيد إحياء مشروع الأئمة في الحاق "اتحاد الجنوب العربي" بما يسمى اليمن ولعبت العناصر اليمنية المهاجرة إلى الجنوب دورا رئيسيا في الترويج للفكر القومي وان الوحدة اليمنية هي الخطوة الأولى لتحقيق هذا الحلم العربي العظيم. وفي اطار هذا التوجه القومي تم تسمية دولة الجنوب بعد الاستقلال جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية رغم أن هذه التسمية لم تكن من الخيارات الأولى المطروحة حينها.
قامت جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية بتحويل اسم الدولة المستقلة عن الاحتلال البريطاني وهي اتحاد الجنوب العربي في تاريخ 30 نوفمبر 1967 واعترفت 80 دولة في الجمعية العامة للأمم المتحدة بالدولة الجديدة بتاريخ 5 ديسمبر 1967م وكان مقعد الامم المتحدة يحمل اسم اتحاد الجنوب العربي كهوية تاريخية نهائية لها ولمواطنيها ولم يطلق اسم اليمن بأي اشتقاق تاريخي على الجنوب سوى منذ 30 نوفمبر 1967.
لقد تم الترويج وبكثافة لمسمى يمنية الجنوب عبر الآلة الاعلامية السياسية في النظام السياسي والقبلي الشمالي بكثافة كمحاولة لطمس استقلالية الهوية الجنوبية حتى قام النظام بتمويل دراسات جامعية وكتب تروج لهذه التزييف للتاريخ .
إن محاولة التزييف المكثفة والمتكررة من قبل النظام في صنعاء كانت احد الاسباب التي دفعت الجنوبيين الى التمسك بشكل متعصب بهويتهم وانتمائهم وبدأت تتجلى اطر هذا التمسك في الكتابات الصحفية التي ارسلت العديد من كتابها الجنوبيون الى غياهب المحاكمات والسجون وكانت الدولة تتمسك دوماً باتهام أولئك الكتاب بتهمة "تهديد الدولة ومحاولة قلب نظام الحكم" وهي اتهامات يعرفها العالم الحر جيداً بانها التهمة المستخدمة من الانظمة الدكتاتورية لقمع اراء معارضيها.
كما أن الحراك الجنوبي السلمي رفض منذ بدايته في 7/7/2007م الهوية اليمنية ولم يعترف بها كهوية وطنية وهي انعكاس لحالة الرفض المطلق في الشارع الجنوبي لمبدأ الضم والالحاق التي اتبعها النظام بل تندر الجنوبيون ورفضوا بشده شعار "عوده الفرع (الجنوب) الى الاصل (الشمال)" التي اطلقها ساسة الشمال.
كما ان هذا الرفض الشعبي في الجنوب للهوية اليمنية كان ايضاً بسبب غياب مفهوم المواطنة المتساوية في الجمهورية اليمنية غياباً تاماً حل محله مفهوم التبعية والرعوية للأنظمة القبلية الحاكمة في الدولة.
وكانت التصريحات العلنية للسياسيين الشماليين ابلغ برهان في تأكيد النية المبيته في الغاء الجنوب هوية وشعباً عندما قال الرئيس السابق علي عبدالله صالح في يوم 27 ابريل 1994م من ميدان السبعين في صنعاء لدى اعلانه الحرب على الجنوب "حانت لحظه الانتقام" و"هذه الوحدة تعمدت بالدم" وفي مذكرات الشيخ عبدالله بن حسين الاحمر رحمة الله قال:" نحن رفضنا الوحدة ولكن الرئيس وعدنا بأنه سيقضي على الجنوبيين ويبتلع الجنوب خلال ثلاث سنوات" ... اما الدكتور عبدالكريم الأرياني فقال مباشرة بعد الحرب:" لقد ابتلعنا الجنوب ولم يبق إلا هضمه"، وقال الشيخ ناجي الشائف:" لم يعد هناك شيء اسمه الجنوب فقد اخذناه بالسيف"، أما محمد اليدومي، امين عام حزب الاصلاح، فقد قال في حوار متلفز بينه وبين أمين عام الحزب الاشتراكي علي صالح عباد مقبل في العام 1997:" إن من حقهم (الشماليين) أن يزجوا بالملايين الى الجنوب لتغيير الخارطة الديمغرافية".6
تسعة عشر عاماً من حرب 1994م عاشت اليمن أجواء التمجيد الرسمي اليومي للحرب ونتائجها .. و شعار "الوحدة فريضة دينية" واحد من الأمثلة التي يمكن التدليل بها على الانحراف .. فهذا الشعار لم يكن له وجود قبل حرب 1994م جرى صكه لتسويغ الهروب من المعالجة السياسية السليمة ... ان ابرز دلائل تسييس الدين لأغراض تخدم مصالح هذه القوى ما جاء في المسلسل التلفزيوني "همي همك" الذي قال فيه المثل فهد القرني ان اركان الاسلام ستة والركن السادس هو الوحدة وهذا يعيدنا الى التاريخ الذي جرى فيه تحريف الدين الاسلامي عند ادعاء الاسود العنسي بالنبوة في الشمال.
وكما هو معروف أجهزت الحرب على شراكة الجنوب في اتفاقية مشروع الوحدة وفرضت علية واقعاً جديداً يسميه المنتصر “وحدة معمدة بالدم" بينما تسميه قوى الحراك الجنوبي جهاراً نهاراً بأنه احتلال..
لقد طالت الحرب كل شيء في الجنوب وما ألفه و اعتاد و تعلق به من تاريخ ورمزيات و من حضور حقيقي للدولة و النظام و القانون .. تفسير ذلك أن النظام الذي اعلن الحرب نظام عصبيات مغتصبة للدولة .. مثلما فعل الإمام الهادي مع قبائل "يام" عندما قطع نخيلها وردم آبارها، و مثلما فعل الإمام أحمد عندما استباح مدينة صنعاء عام 1948م .
أما استباحة منازل قادة و مسئولي دولة الجنوب فتندرج في إطار الإمعان في الإهانة و ممارسة الإذلال.
فرضت نخبة الحكم في صنعاء نموذجها على الوحدة و عممت نظام الجمهورية العربية اليمنية كله .. وبدلاً عن وحدة 22مايو الطوعية السلمية أقامت وحدة 7يوليو "المعمدة بالدم" معتقدة أن نظام الجمهورية العربية اليمنية هو النموذج الذي انتصر على صعيد عالمي في الحرب الباردة و يجب أن ينتصر على صعيد محلي. 6
قام مركز دراسات مؤسسة الأهرام المصرية بإجراء بحث ميداني عن حرب صيف 1994 كان ابرز نتائجه "إن الوحدة لم تبن على أساس واقعي متين يقوم على التدرج و الانتقال الطبيعي السليم...إن التسرع في إعلان الوحدة دون إعداد كافٍ ودون وضع خطة عملية تدريجية سوف يكون هو السبب في فشلها لتضاف بدورها إلى مشاريع الوحدة العربية السابقة التي سقطت في زوايا التاريخ"8
ثانيا: البعد القانوني:
إن الشعب في الجنوب المقيم على ارضه منذ الاف السنيين إنما قد دخل الوحدة على اساس اتفاقية شراكة مع شعب الجمهورية العربية اليمنية وهو في هذه الحالة لم يبيع ارضه وثرواته ومؤسساته ولم يرهنها لأحد بل كان دافعه للوحدة هو الآخاء اليمني والعربي والإسلامي والقومي ولكن هذه الوحدة ضربت في الصميم بإعلان الحرب في 1994م من قبل نظام صنعاء. 4
انهت لجنة من صياغة مشروع الدستور عام 1981 اعمالها لكن التوقيع عليه لم يتم إلا في 30 نوفمبر 1989 .. وبين هذين العامين فاصل زمني كبير لم نجد تفسيراً موثقاً له إلا في حديث مطول أدلى به علي عبد الله صالح لنجيب رياض الريس و نشر في كتاب "رياح الجنوب" الصادر عام 1998 أي بعد حرب 1994 بأربع سنوات كان صالح خلالها مهووساً بنشوة النصر معتقداً أنه الصقر السبئي الذي أوقع الجنوب في فخ الوحدة وحوله من شريك بإرادته إلى ملحق بغير إرادته .. قال صالح لرياض الريس ما معناه:"إن قيادة الجنوب جاءت إلى الكويت(1982م) وهي منتشيه بنصرها العسكري و تريد أن تحقق الوحدة معنا من موقع القوي لكن الإخوة في القيادة نصحوني أن لا أتسرع في الذهاب إلى الوحدة حتى نرتب أوضاعنا".6
كما نصت الاتفاقية على "أن يسود العمل بدستور دولة الوحدة والشرعية الدستورية وعدم اللجوء الى تجاوز الدستور او تعديله" بينما تم تعديل الدستور مباشرة بعد انتهاء حرب 1994م.
أن الوحدة التي قامت بين الدولتين في الشمال والجنوب لم تكن قائمة على اسس وقواعد القانون الدولي والمواثيق الدولية كما ان اتفاقية الوحدة المبرمة كانت بين دولتين ذات سيادة واعضاء في العديد من الهيئات والمنظمات الدولية والعربية ولم تشرك اي من هذه الهيئات وتحديداً منظمة الامم المتحدة وجامعة الدول العربية في التوقيع على هذه الاتفاقية ولو حتى كشهود ولم تنشر تلك الاتفاقية او تودع لدى الهيئات الدولية ولايعلم الشعب في الجنوب والشعب في الشمال عن هذه الاتفاقية شيء سوى ما تسرب بانها من صفحة ونصف الصفحة وهي مساحة لا تكفي حتى لعقد تأجير محل.
والملاحظ في نص اتفاق اعلان الجمهورية اليمنية وتنظيم الفترة الانتقالية الاشارة الى الاتفاقية بانها "اتفاق عدن التاريخي" ولم يتم الاشارة من قريب او بعيد الى ان اتفاقية الوحدة هي اتفاقية قانونية او ذات بعد قانوني ويلاحظ ان هذا الوصف استخدم بكثافة من قبل النظام في صنعاء مع تحاشي الاشارة الى أي بعد قانوني في الاتفاق الموقع.
من وجهة نظر القانون الدولي كانت حرب 1994م حرباً داخلية ومن الناحية الفعلية جرت الحرب بين حقائق دولتين تعذر دمجها وقد انقسمت مؤسسات الدولة على اساس شطري ابتداء من مجلس الرئاسة والحكومة مروراً بالبرلمان وانتهاء بالجيش والأعلام، ففي كل المستويات كانت الحرب بين حقائق دولتين.
القتل خارج اطار القانون:
في الفترة الممتدة من العام 1994م الى 18 مارس 2013م تم قتل حوالى 1203 جنوبي من قبل شماليين ولم يتم معاقبة اي شمالي بتهمة قتل جنوبي سواء بالسجن او الاعدام بل ان معظم الجناة تم تهريبهم من السجون الى الشمال او خارج البلاد كي لا تطالهم يد العدالة.12
بل ان الامر تطور الى التصريح لجنود قوات الامن المركزي بالقتل العشوائي وسحل الجنوبيين خصوصاً في الارياف والمناطق النائية وكانت ابشع الممارسات في منطقة ردفان في ابريل من العام 2009 واغلقت وسائل اعلام جنوبية عدة وعلى رأسها صحيفة "الايام" لتغطيتها المصورة لتلك الاحداث التي شارك فيها قوات الحرس الخاص والامن المركزي وتورط ضباط من الامن المركزي في اغتصاب صبيان قاصرين داخل سجون الدولة في لحج على خلفية هذه الاحداث.
ومنذ العام 1994 قامت القوات النظامية باستخدام القوة المفرطة في قمع الاحتجاجات في الجنوب وقتل ما يزيد عن 17 دهساً تحت مجنزرات الدبابات وعجلات المصفحات بينما وعلى سبيل المقارنة قتل 4 فلسطينيين في اسرائيل دهساً من قبل قوات الاحتلال الاسرائيلي.12
اما احد اكثر المشاهد ترويعاً للجنوبيين فهو مذبحة قرية المعجلة وهي إحدى قرى مديرية المحفد بمحافظة أبين، يبلغ تعداد سكانها 374 نسمة حسب الإحصاء الذي أجري عام 2004. تبعد القرية عن عدن مسافة 230 كيلو متر شرقاً .
قتل فيها 68 من السكان المدنيين بينهم 14 من النساء و21 طفلاً ، في قصف مزعوم لمعسكر تدريب لتنظيم القاعدة، حيث قامت بوارج أمريكية بقصفها بصواريخ كروز من نوع توماهوك كروز BGM - 109D أطلقت في الساعة السادسة من صباح يوم الخميس 17 ديسمبر 2009م بناء على معلومات استخبارية خاطئة من نظام صنعاء للجانب الامريكي ولم يقتل في الهجوم اي عنصر من القاعدة بل مدنيين ابرياء.
وقال فيليب لوثر نائب مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة العفو الدولية : "إن توجيه ضربة عسكرية من هذا النوع ضد مسلحين مزعومين من دون محاولة اعتقالهم هو على الأقل غير قانوني، كما أن حقيقة أن الكثير من الضحايا كانوا من النساء والأطفال يُعد مؤشراً على أن الهجوم كان في الحقيقة غير مسؤول بتاتاً ولا سيما على ضوء احتمال استخدام الذخائر العنقودية".
وأشارت المنظمة إلى أن الصور التي حصلت عليها تظهر أجزاء من الصواريخ من نوع توماهوك كروز BGM - 109D، أمريكية الصنع. وأكد إن هذا النوع من الصواريخ أطلقت من سفينة حربية أو غواصات، وهي مصممة لنقل حمولـة من القنابل العنقوديـة (166 قنبلة) وتنشطر الواحدة منها إلى ما يزيد عن 200 شظية حادة وصلبة، ويمكن أن تسبب إصابات على بعد 150متر.
ثالثا : البعد السياسي:
منذ اعلان مشروع الوحدة في العام 1990 مارس الشريك الشمالي عملية اغتيالات سياسية طالت شريكة في الحكم الحزب الاشتراكي على وجه الخصوص حيث قتل 153 قيادياً من الحزب الاشتراكي قبل حرب 1994م.
استخدم الشريك الشمالي علاقاته المتوطدة أصلا بالأطراف الدولية لتشكيل موقف معادي للشريك الجنوبي من المجتمع الدولي بني على معلومات مضلله.
باعتماد سلطة الحرب الأساليب العسكرية والأمنية المختلفة لإحكام سيطرتها على جغرافيا الجنوب والفيد والنهب المستمر على مقدراته وثرواته، فعملت بمختلف الأساليب والسبل لاستدعاء جراحات وخلافات الماضي بهدف تفكيك بنيته الاجتماعية والسياسية، فاتبعت سياسة التعاقدات الانتقائية لضمان التمثيل الشكلي للجنوب وإفراغه من محتواه كمؤسسات دولة قامت على النظام والقانون.
"وبهذا انقسم اليمنيون جغرافياً بين كاره للوحدة جنوباً وخائف عليها شمالاً، ومن ان سبب الكراهية في الحالتين واحد وهو حرب 1994، التي دمرت الوحدة كمشروع سياسي، تتهرب النخب السياسية في الجهتين من الاعتراف بهذه الحقيقة".6
وكان واقع الضم والإلحاق القسري هو المشهد الذي قوبل بالمقاومة والرفض، ليتحول الى حراك سياسي اجتماعي سلمي اعلن عنه في 7/7/2007م.
لقد قام مشروع الوحدة اليمنية على أساس إفتراض الحفاظ أو الإبقاء على البنية السابقة لكلتا الدولتين خلال الفترة الانتقالية، فهذه الاستراتيجية لم تحدث التكامل المأمول، لذلك واجهت دولة الوحدة، الإخفاق الأول الذي يتمثل في نقل مبدأ التوازن السياسي من المستوى المجتمعي العام إلى قمته و أجهزته التنفيذية الوسيطة و العليا، حيث تعثر استكمال دمج العديد من المؤسسات الحيوية، وبصفة خاصه مؤسستي الجيش و الأمن. الاخفاق الثاني يتمثل في هامشية الأحزاب السياسية. و الإخفاق الثالث وهو خاص بفشل تطبيق أحد أهم المبادئ التي قامت عليها الوحدة وهو مبدأ الأخذ بأفضل ما في تجربة الشطرين في نهج الدولة والمؤسسات والقانون والادارة والعملة وتعميمه، وبالتالي لقد مس هذا الإخفاق عدم التوازن في الأثار الناتجة من الوحدة بين مناطق الشمال و الجنوب، الأمر الذي أثر على نمو الشعور في أوساط الفئات الاجتماعية في المناطق الجنوبية بأنها قدمت تضحيات أكبر في سبيل الوحدة دون عائد مناسب، وأنه لم يكن هناك توازن بين الأعباء و العوائد بين سكان كل شطر سابقاً.
حرب صيف 1994م أحدثت تصدعات عميقة في مشروع الوحدة، ومما زاد الأمر سوءاً الممارسات التي أعقبت الحرب و انفراد السلطة في صنعاء بحكم دولة ما بعد 94م، كما أنها لم تقم بحل المشاكل الناجمة عن حرب، بل إنها استعذبت نتائجها المأساوية ووظفتها لتكريس سياسة النهب و الإقصاء والاستبعاد و التسلط أن السلطة الى جانب تسريح عشرات الألاف من المدنيين و العسكريين عقب الحرب الأهلية في 1994م، و أطلقت يد الفاسدين و النافدين لنهب أراضي الجنوب و بيع مؤسساته العامة إلى المقربين، إلا أن قرار تسريح آلاف العسكرين و المدنيين نتج عنه ان أطلقوا شرارة ما يعرف ب(الحراك الجنوبي) فضلاً عن توزيع أراض شاسعه لقادة عسكريين ونافدين من أبناء الشمال و الجنوب.
بدأ شعب الجنوب بعد نهاية حرب 1994م يطالب بالمواطنة المتساوية و بالمشاركة في اقتسام السلطة و الثروة،. كذلك رفضهم قبول العناصر الإدارية المحسوبة على النظام السياسي حيث يرون أن هؤلاء العناصر معظمهم من الشمال و أتوا للإحلال في أماكنهم الوظيفية كما أدى الضعف الاقتصادي و الفشل الإداري و عدم قدرة النظام على تحقيق العدالة و المساواة، إلى ظهور ذلك الانقسام الاجتماعي.
النظام الإداري ما يزال حتى اللحظة يعتبر أهم نقطة ضعف في بناء الدولة في اليمن وما تم من إنجاز، لم يكن الفضل فيه لكفاءة الجهاز الإداري وفعاليته، وإنما يعود الفضل إلى المشاركة الشعبية المتمثلة في الهيئات التعاونية، و بعض رجال الأعمال و إلى المساعدات و الخبرات الخارجية، المبادرات الذاتية للأفراد و ليس للعمل المؤسسي من سلطة الدولة، مازال يعاني الجهاز الإداري من التسيب و الفساد و الضعف نتيجة نظرة الأنظمة السياسية المتتابعة للإدارة كأداة للإرضاء و توزيع المغانم، و ليس إدارة للإنتاج، إضافة إلى ذلك ضعف المستوى الاقتصادي، الذي يجعل من الموظف يتلاعب بالأنظمة و القوانين مقابل مبلغ من المال، أو لدعم مركزه ولم يقتصر الضعف على الجهاز الإداري، و إنما طال المؤسسة القضائية ونالها ما نالها من فساد، لذلك فقد تأثر وضع البناء الإداري في اليمن بنمط السلطة السياسية، فارتكزت الإدارة على المناطقية و الطائفية و القروية والارتجالية و العشوائية، و الأمزجة الشخصية، و لم يتحقق للإدارة أي بناء منهجي يرتكز على الخطط العملية والعلمية.
لقد بلغ حجم الاقصاء والتهميش السياسي، لأبناء الجنوب، في عام 2006م، مقارنة بعام 1990م، حداً كبيراً وما هو موضح ادناه هو عينه لما سيتم نقاشه باستفاضة في الاشهر القادمة:
1. انخفاض نسبة تمثيل الجنوب في رئاسة الجمهورية من 1990م الى 2011م ــ من 40% الى 0 %.
2. انخفاض نسبة تمثيل الجنوب في مجلس النواب من 46%، الى 19% فتم تقليص عدد مقاعد المحافظات الجنوبية بعد حرب صيف 1994م في البرلمان الى 56 مقعداً من اصل 301 مقعد وبالمقارنة فأن محافظة صنعاء وامانة العاصمة وحدها لديها 54 مقعداً في البرلمان.
3. انخفاض نسبة تمثيل الجنوب في مجلس الشورى من 47%، الى 29%.
4. انخفاض نسبة تمثيل الجنوب في مجلس الوزراء من 54%، الى 25%.
5. انخفاض نسبة تمثيل الجنوب في مجلس القضاء الاعلى من 46%، الى 25%.
6. تعيين جميع محافظي المحافظات الجنوبية، من الشمال.
7. تعيين 57 مديراً عاماً للدوائر الاكثر اهميه من الشمال في عدن واحلال كافة الموظفين الحكوميين في المهرة بنسبة 98% من الشمال والنسب تختلف بحسب المحافظة.
8. انخفاض نسبة ابناء الجنوب بين افراد القوات المسلحة والامن، الى 12.3%.
9.انخفاض نسبة ابناء الجنوب بين قيادات المناطق العسكرية الى 20%.
10. اقصاء جميع المشاركين في ترتيبات الوحدة اليمنية في الفترة من 24-27 رمضان، الموافق 19-22 أبريل 1990م، الواردة اسمائهم في الجريدة الرسمية العدد رقم 1
خطاب ادعاء الملكية:
اتباعاً للمبدأ القبلي المعروف في الشمال "ادعي بالشيء وبعدين شارع" فأن الطبقة السياسية الشمالية اغرقت الجنوبيين بادعاءات مثل :
1. اعادة توحيد اليمن:
قام الطرف الشمالي عبر وسائل الاعلام الحكومية والحزبية ببث فكرة ان وحدة 1990م ماهي إلا اعادة لتوحيد اليمن الذي فرقه الاستعمار والإمامة بينما لا يعدو هذا الخطاب سوى وهماً في فكر من ابتدعه.
2.عودة الفرع الى الاصل:
إن هذه الفكرة تحمل في مضمونها رسالتين الأولى هي الحط من مستوى الجنوبيين وكأنهم اتباع او مواطنون من درجة ثالثة او اسوأ والرسالة الثانية هي التبعية المطلقة للشمال.
3. اليمن واحد منذ الازل:
لايوجد اي دليل تاريخي او انساني او قانوني يدعم هذه الفكرة واستخدم الساسة الشماليون هذه الفكرة بكثافة في وسائل الاعلام لتثبيط و تيئيس اي حركة تطالب بفصل اليمنين من جديد فلم يكن اليمن واحداً سوى من العام 1990م.
4.الجنوبيون بقايا هنود وصومال:
احدى اسوأ الرسائل الموجهة من نظام صنعاء حيث قام الرئيس السابق شخصياً ببثها في لقاءاته الخاصة و العامة وحملتها العديد من وسائل اعلام حزب المؤتمر الشعبي العام.
5.الوحدة عمدناها بالدم
التهيئة لأي حرب اهلية قادمة وكانت اخطر الاطروحات هي التي بثتها صحيفة الديار في نهاية يونيو 2009 في مقال للصحفي الشمالي عادل الأحمدي، رئيس تحرير نشوان نيوز، يدعو لإبادة نصف مليون من الجنوبيين الاوغاد حد وصفه لكي يعيش العشرون المليون الشمالي الاخرون بسلام.
6. الوحدة او الموت
شعار صرخة الحرب ضد الجنوبيين من ميدان السبعين في 27 أبريل 1994. وكلما زاد ضغط الجنوب على الشمال رأينا هذا الشعار في ملصقات على الشوارع كتهيئة نفسية مسبقة لحرب جديدة.
رابعاً: بعد المؤسسة العسكرية والأمنية الجنوبية:
أمتلك الجنوب مؤسسة عسكرية وأمنية مؤهلة تأهيلاً عالياً وتدريباً احترافياً بشهادة المراكز الاستراتيجية العسكرية العالمية و كان من افضل جيوش المنطقة حينها حيث كان الاتحاد السوفيتي سابقاً وبلدان حلف وارسو وفي اطار بروتوكولات التعاون العسكري يجري تدريب وتأهيل كل مكونات جيش الجنوب في بلدانها.
هذه المؤسسة التي ساهمت في ميزان معادلة الامن القومي والدولي في المنطقة كانت الهدف الرئيسي والاساسي لنظام مراكز القوى الثلاث حيث تم تصفيتها اثناء وبعد حرب 1994م.
القائمة التالية توضح بعض من قوام المؤسسة العسكرية والامنية في الجنوب:
• تتكون القوات المسلحة بأنواعها وصفوفها من 80,000- 100,000 ضابط وجندي بالإضافة الى 60,000 من القوات الشعبية والاحتياط العام.
• 40 لواء نظامي مشاه وميكانيكي ودبابات ومدفعية صواريخ وقوى جوية ودفاع جوي وبحرية وغيرها .
• 18 دائرة تابعة لرئاسة الاركان العامة بمختلف انواعها وتخصصاتها .
• كليتين عسكريتين.
• كلية شرطة.
• كلية طيران.
• مدرسه بحرية وكل الكليات كانت مجهزة تجهيزاً علمياً.
• 12 مدرسة تخصصية بمختلف صنوف القوات .
قوات برية :-
1. 16 لواء مشاه
2. 4 الوية مشاه ميكانيكا
3. 3 الوية دبابات اربع كتائب مستقله
4. 3 الوية مدفعية وصواريخ
قوات جوية :- الوية قوى جوية ودفاع جوي
قوات بحرية :-
6 الوية بحرية وصواريخ ومدفعية وانزال وحراسات .
وزارة الداخلية : يتكون القوام البشري لوزارة الداخلية من 20,000 ضابط وصف ضابط وجندي وموظفين مدنيين تقريباً .
وزارة أمن الدولة : القوام البشري لوزارة امن الدولة تتكون من 8 الاف موظف تقريباً .
كما امتلكت القوات البحرية الجنوبية اضخم سفينة انزال في المنطقة لا يوجد مثيل لها سوى 3 اخريات مع القوات البحرية التابعة للاتحاد السوفيتي سابقاً وتم تفكيك معداتها بعد حرب 1994م وتستخدم حالياً من قبل نافذين في اعمال التهريب.
كما امتلك الجيش قاعدة صيانه للصواريخ كانت الوحيدة في المنطقة وموقعها في بير النعامة تقوم بصيانه الصواريخ بكافة انواعها لصالح حلف وارسو وتم نهب هذه القاعدة من قبل متنفذين وحولت معداتها المدنية لشيوخ قبليين بعد اقتحام عدن في 1994م.
وفي 27 أبريل 1994م تم تدمير اللواء الثالث مدرع جنوبي في معركة دارت مع لواء من الفرقة الأولى مدرع وقد سبق هذ الموقف ان تم في 22 ابريل 1994م تدمير اللواء الخامس مدرع الجنوبي في حرف سفيان منطقة عمران.. كما تم مساء 4 مايو 1994م تفجير الموقف في منطقة ذمار حيث يعسكر لواء باصهيب المدرع الجنوبي الذي تم تطويقه بقوات شمالية تفوقه عدة وعتاد وهذه فقط امثلة من واقع ما تعرض له الجيش الجنوبي من ابادة متعمده.
الاسلحة نهبت.. الجنود والضباط سرحوا من العمل
خامساً: البعد الاقتصادي:
((أقسم الرئيس علي عبدالله صالح، بتحويل عدن الى قرية)) قد تكون من الاقاويل التي يرددها الناس وقد لا يكون القسم حقيقياً لكنه بالتأكيد ما جرى على ارض الواقع فبموجب اتفاق مشروع الوحدة اصبحت مدينة صنعاء عاصمة الكيان الجديد. وبسقوط صفة العاصمة السياسية عن عدن، وعدم مصداقية تحويلها الى عاصمة اقتصادية وتجارية عانت مدينة عدن من تدهوراً لكل مقومات الحياة فيها وبشكل خاص في الجانب التجاري والاقتصادي.
فقد اغلقت دواوين الوزارات فيها، اما مكاتب فروع الوزارات فلا تستطيع شراء القلم الرصاص بدون العودة الى المركز في صنعاء.. وقد اسهمت هذه السياسات التمييزية الشديدة في تعطيل مصالح التجار واتشار الفساد بص