أيهما أفضل للأشقاء في التحالف العربي؟؟

2019-03-17 11:10

 

تتوالى الأحداث وتستمر المعطيات التي تؤكد أن الأزمة اليمنية التي أشعل فتيلها انقلاب 2014م والتي كانت عوامل اندلاعها تتفاعل منذ عقود، لا يمكن حسمها بسهولة، والسبب ليس قوة الجماعة الانقلابية، ولا غياب الدعم الإقليمي الداعم لـ"الشرعية"، ولا عجز تحالف القوى اليمنية المؤيد لهذه "الشرعية" بل إن هناك عوامل أخرى يجري تجاهلها أو إهمالها ربما لأن أحداً لم يمنحها الدراسة والبحث الكافيين.

  

إن معسكر الشرعية ليس متجانسا ففيه يتداخل الكثير من أصحاب الأجندات المتفاوتة والمتعارضة ومن غير المؤمنين حتى بشرعية الرئيس هادي نفسه، وأن اتخذ منه الجميع مظلة للاستثمار في ما يتمتع به من دعم واعتراف دوليين وإقليميين.  

هذا العنصر يجعل المراكز الأقوى في هذا التحالف تتعامل مع التحديات المنتصبة أمام التحالف والشرعية بتجايل وتخاذل واستخفاف وفي أحسن الأحوال ببطء وادعاء العجز والضعف، للحرص على استمرار الحرب، التي لهم في استمرارها من المصالح أكثر مما لهم في تحقيق النصر.

 

هناك انتصار ساحق تحقق لصالح التحالف ولصالح السلطة الشرعية نفسها جرت معاقبة صانعيه بإعلان الحرب الإعلامية والدعائية عليهم، بل والحرب المعيشية والخدمية، تأديبا لهم على إظهار تفوقهم على القادة (المحنطين) الذين أعاقت التخمة قدرتهم على الحركة وشغلتهم استثماراتهم التجارية والمصرفية وأعجزتهم معيشة الترف على القيام بأبسط الواجبات التي يتحملون مناصب وألقاب القيام بها.

ما أعنيه هنا هو ذلك الانتصار المبهر الذي حققه الجنوبيون بدعم التحالف العربي والذي تمكن في أقل من ثلاثة أشهر من دحر التحالف الانقلابي عندما كان ما يزال يضم أقوى جيش وأشرس مليشيا في تاريخ اليمن.

هذه المعطيات تضع التحالف العربي وعلى رأسه الشقيقتان المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة أما سؤال مهم ومفصلي: أيهما أفضل وأضمن للدولتين الشقيقتينومن ثم لكل المحيط الإقليمي والدولي:  انتظار الحسم النهائي للمعركة مع التحالف الانقلابي وإقامة نظام جديد يكفل الأمن والاستقرار في الركن الجنوبي والغربي من شبه الجزيرة العربية، وهو ما لا تلوح له أي ملامح في الأفق لا في المدى القريب ولا في المدى البعيد؟ أم الاستفادة من الانتصار الحاسم والبادي للعيان الذي تحقق في الجنوب والذي أكد وجود حليف صادق ووفي ومنسجم مع شعاراته وعهوده المعلنة في محاربة الإرهاب ومواجهة المشروع الإيراني في المنطقة، ومن ثم التفاعل الإيجابي مع مطالب الشعب الجنوبي في استعادة دولته، وقيام نظامٍ مدنيٍ متعايشٍ مع محيطه صادقٍ في وعوده متكاتفٍ مع أشقائه، ليشكل ضماناً أكيداً لعدم السماح للتمدد الإيراني في المنطقة؟

يتحجج الكثير من الإخوة الشماليين وبعض الإخوة العرب بأن الأولوية الآن يجب أن تعطى لهزيمة المشروع الانقلابي وبعدها لكل حادث حديث، ومع يقيني أن معظم إخوتنا الشماليين يتحايلون بهذا التعبير للهروب من الإجابة الحاسمة على السؤال: هل ستحترمون إرادة الشعب الجنوبي في استعادة دولته، فإنني على يقين أن المؤشرات كلها تؤكد أن هزيمة المشروع الانقلابي تبتعد يوما عن يوم وإن الكثير من مكونات تحالف اليمنيين المؤيد للشرعية هم أقرب إلى الجماعة الحوثية منهم إلى الرئيس عبدربه منصور هادي ومعه التحالف العربي.

 

أمام التحالف العربي فرصة تاريخية لاغتنام الانتصار الذي تحقق في الجنوب من خلال الانتقال من الوعود التي تتسرب على استحياء بين حين وآخر عن أهمية مراعاة مطالب الجنوبيين، إلى الإجهار بهذا التوجه والسير نحو طرح قضية الجنوب على الطاولة، بل والإسراع في تبني الخطوات العملية نحو إعلان الدولة الجنوبية التي سيشكل قيامها ( وهو تصحيح لخطأ تاريخي جرى في العام 1990م) ضمانا حاسما لهزيمة المشروع الإيراني في اليمن، لأن وجود حزام آمن يتصدى لحركة أنصار إيران ويردع أي محاولة للتمدد باتجاه الخليج والسعودية سيكون مكسبا ليس فقط للجنوب والجنوبيين ولكن للمقاومة الشمالية الحقيقية ضد أنصار إيران وللمشروع العربي بعامة.

 

قيام الدولة الجنوبية سيخلق تغييراً عاصفاً في توازن القوى لصالح المعسكر الرافض للتمدد الإيراني المرتكز على النزعة الطائفية المقيتة وشراء الولاءات وسيقدم نموذجا للدولة المستقرة التي تتكامل مع محيطها وتحترم مبادئ حسن الجوار وتبني مصالح مشتركة مع الجيران ومع العالم بعيداً عن ثقافة الابتزاز والتهديد وصناعة البؤر.

وفي ظني إنه سيكون على الحكومة الجنوبية (الجديدة) التزامات عديدة أهمها توقيع اتفاقات مع التحالف العربي ومع حكومة "الشرعية" اليمنية على مواصلة الدعم للتحالف وتقديم الدعم للحكومة اليمنية لتسهيل مواجهتها للمشروع الانقلابي، بما في ذلك توفير فرصة الإقامة المؤقتة للحكومة في أي مدينة من مدن الجنوب لمواصلة مهماتها في سبيل استعادة الدولة الشمالية.

 

إعلان الدولة الجنوبية لن يكون إلا مصلحة مشتركة للجنوب والشمال والمحيط العربي والعالمي، لكن هذا لا يعفي الأشقاء والأصدقاء من تقديم العون الفني والمادي والاستشاري والتقني في سبيل تثبيت الأوضاع وإعادة الإعمار والبناء المؤسسي والقانوني ومنظومة الإدارة والخدمات وغيرها حتى استكمال بناء الدولة الجنوبية الجديدة.