اضطرت تركيا أمام موجة الغضب الواسعة أن تتعهد بفتح تحقيق حول السفينة التركية، التي ضبطت في السواحل الليبية، وتحمل شحنة أسلحة لجهة لم يتم الإعلان عنها، ولكنها كانت في ما يبدو لطرف من أطراف النزاع الليبي التي لطالما ارتبطت بالتمويل القطري منذ ما يسمى الربيع العربي، فلقد ارتبطت تركيا وقطر بدعم الجماعات المسلحة، ولعبت كل من أنقرة والدوحة أدواراً كبيرة، كانت لها تأثيرات مباشرة في ما وصل له المشهد الليبي من تأزيم برغم محاولات المعالجة المتعسرة، التي تقودها الأمم المتحدة.
تظل السفن التركية الحاملة للموت تثير الأسئلة، فهي ليست الأولى في ليبيا، فلقد ضبطت السلطات الليبية في 2018م سفينة أخرى، وكذلك هو المشهد في اليمن، الذي تكرر فيه ضبط سفينة تركية محملة بمسدسات كاتمة للصوت، بلغ عددها أكثر من ثلاثين ألف مسدس مع ملايين الرصاصات، وهو ما تم ربطه بأن تلك الشحنة وصلت إلى مدينة عدن لجهات متورطة في عمليات الاغتيال، التي تزايدت منذ أن تم تحرير العاصمة الجنوبية في يوليو 2015م لتشهد عدن مرحلة عنف غير مسبوقة عرفت اغتيالات واسعة لرجال الدين والكوادر الأمنية والعسكرية، وأشارت التحقيقات لتورط تنظيم الإخوان المسلمين في اليمن بالوقوف خلف تلك العمليات لإفشال جهود التحالف العربي.
من المفارقة أن يتم ضبط السفينة التركية في السواحل الليبية مع إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب قراره المفاجئ بسحب القوات الأميركية من سوريا، موكلاً تركيا لاستكمال الحرب على تنظيم داعش الإرهابي، تبدو بالفعل مفارقة تزداد أكثر عندما نتطلع على جملة التقارير التي تتحدث أن تركيا التي كانت البوابة لدخول الآلاف من المتطرفين إلى الأراضي السورية ظلت هي البوابة المفضلة لكل العناصر الإرهابية التي غادرت سوريا بعد هزيمة التنظيم وإسقاط دولته المزعومة، هنا يكمن واحد من أهم التساؤلات حول الدور التركي في الحرب على الإرهاب.
فالكل يعلم أن الأتراك استخدموا تلك الحرب لتصفية الأكراد في شمال سوريا، وما فعله الجيش التركي من تدخل في تراب سوريا العربية في عفرين جاء تحت ادعاء ملاحقة المتطرفين، بينما الحقيقة أن المجنزرات التركية تربض على تراب سوريا العربية.
مهما يكن اعتبار الصفقة التي أبرمت بين الرئيس ترامب والرئيس التركي أردوغان أنها سيئة أو جيدة فإن من المهم إدراك أن تركيا كانت وما زالت وراء ما حدث من اختلالات في العالم العربي نتيجة دعمها وإيوائها لأفراد وتنظيمات عملوا على ضرب الدول العربية ودفعت شعوب سوريا ومصر وليبيا وتونس واليمن ثمناً باهظاً، وهذه واحدة من أهم النقاط التي لا يجب إغفالها بغض النظر عن المطامع التركية في العالم العربي ومحاولتها استعادة الخلافة العثمانية.
سفن الموت التركية قد لا تحمل المسدسات الكاتمة للصوت وملايين الرصاصات بل يمكن أن تحمل مواد غذائية فاسدة كتلك التي ضبطت في عدن تحت إطار المساعدات الإنسانية لإنقاذ الشعب اليمني، فما تم كشفه عن أطنان من المواد الغذائية الفاسدة كان كفيلاً بقتل ملايين من اليمنيين، الذين جوعتهم ميليشيا الحوثي ليجدوا غذاء مسمماً كاد أن يفتك بمئات الآلاف من المدنيين.