الجنوبيون ليسوا دعاة حرب

2018-12-26 07:54

 

تتعالى الكثير من الأصوات المحذرة من أن حربا قادمة ستشهدها اليمن حتى لو تمت التسوية السياسية بين طرفي النزاع في الأزمة اليمنية الراهنة، وبما يرضي الطرفين (طرف السلطة الشرعية، والطرف الانقلابي الحوثي)، ويحذر المحذرون وكثيرون منهم أصدقاء مقربون من السلطة الشرعية، من خطورة القفز على القضية الجنوبية ومطالب الشعب الجنوبي بمنحه حقه في تقرير المصير واختيار طريقه المستقل بعيدا عن التبعية أو الوصاية.  

 

تأتي هذه التحذيرات متزامنةً مع تسريبات عن استعدادات وتجهيزات لتجييش عشرات الألوية الشمالية الرابضة في الصحراء والتي لم تصرف طلقة رصاص واحدة في مواجهة الحوثيين، وتحويلها باتجاه المناطق الجنوبية الملتهبة في شبوة وأبين وعدن ولحج والضالع.  

وكان آخر هذه التحذيرات ما أشارت إليه صحيفة الإندبيندينت البريطانية ذائعة السمعة على هامش ما نشرته من حديث اللواء عيدروس الزبيدي رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي إليها.  

 

في هذا السياق ينبغي التذكير أن الشعب الجنوبي لم يكن يوما من دعاة الحرب، وعندما انخرط في حربي 1994م و2015م، فإنما أُجْبِر على ذلك إجبارا وخاض ما خاض من مواجهات مع قوى تتفوق عليه في كل شيء، وأخفق الجنوبيون حيث أخفقوا وانتصروا حيث يعلم الجميع رغم تفاوت العدة والعتاد والمهارات والجاهزية.  

التحذير من حرب قادمة في حال تمت الصفقة السياسية بين الحوثيين والحكومة الشرعية مع تجاهل القضية الجنوبية والقفز فوق تطلعات ومطالب الشعب الجنوبي، هذا التحذير لم يأت من فراغ بل يأتي نتيجة لما يراه المتابعون (ومعظم المحذرين متابعون) من تفاعلات على الأرض كلها تحمل معنىً واحداً وهو أن الشعب الجنوبي لم يعد يقبل بالتسويات المجتزأة أو بالمسكنات المؤقتة أوبالوعد الزئبقية التي لا تحمل معنىً ملموساً وأن الخيار الوحيد الذي دفع من أجله هذا الشعب آلاف الشهداء والجرحى والمخطوفين على مدى ربع قرن ونيف، لا يمكن أن يكون أقل من عودة دولته المستقلة وبناء الجنوب الجديد التعددي اللامركزي الديمقراطي المتسع لكل أبنائه بجميع أطيافهم السياسية والفكرية والاجتماعية والجهوية.  

 

الجنوب لا يدعو إلى الحرب والجنوبيون يتطلعون إلى مفاوضات سلمية تختصر الطريق وتوفر الدماء والأرواح والنفقات والإمكانيات، لكن لو فرضت عليهم الحرب من أي طرف فلن يكونوا إلا كما كانوا في العام 2015م، متمسكين بحقهم، مدافعين عن أرضهم وقبل هذا وبعده مدافعين عن أنفسهم وأهلهم وديارهم ومستقبلهم وحقهم في الحياة. (ولِلَّهِ ٱلْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِنۢ بَعْدُ).