على مر الأزمنة والعصور تظل حقائق التاريخ في حياة أي شعب تعلن عن نفسها حتى مع ما تفرض سياسة الأمر الواقع من متغيرات على الأرض، فهي تظل خطوات عاجزة تماماً عن تجاوز وتغييب حقائق التاريخ مهما حاولت تزييف تلك الحقائق، التي هي إرث في وجدان الشعوب تتناقلها الأجيال المتعاقبة وتقاوم بضراوة محاولات طمس تلك الحقائق..
ولعل تاريخ فلسطين العربية نموذجاً أرعب ساسة إسرائيل المتعاقبين ممن لم يجدوا بُدّاً من فرض سياسة الأمر الواقع التي يدركون تماماً أنها تتجاوز الحقائق والعدل، ما يجعل البناء على تلك السياسة غير آمن ولا مكتمل وغير قانوني.
صنعاء دون ريب مارست مع الجنوب حرب محاولات تزييف التاريخ بكل فجاجة، بل تعمدت طمس الكثير من الحقائق التي تَمُتُّ إلى تاريخ الجنوب. طالت تلك الخطوات مناهج التعليم ونحوها، وكان الأمل لديهم أن تأتي أجيال جنوبية لا تؤمن بقضيتها، إلا أن المفارقة المدهشة التي واجهوها على مدى العقود الماضية أن الأجيال الفتية هي من أظهرت مقاومة شرسة لتلك المخططات.
خاضوا معاركهم واستخدموا فرط القوة في محاولة بائسة للنيل من تلك الإرادة، إلا أنهم تفاجؤوا تماماً بتنامي الرفض لسياسة الأمر الواقع ومحاولات طمس هوية الجنوب.. كان فشلهم واضحاً وجلياً على هذا الصعيد،
الحال الذي أربك كل حساباتهم تجاه الجنوب، إلا أن أحزابهم السياسية وكافة الأطياف استمرت تعمل على هذا الصعيد خصوصاً على الصعيد الإعلامي، مستغلين ما آل إليه حال الجنوب من غياب إعلامي، حتى أن تركيزهم على الإعلام كان أولوية لكافة القوى والأطياف السياسية والقبلية في سعي واضح لقلب الحقائق وخلق رأي عام مختلف في مفاهيمه تجاه الحق الجنوبي.
كانوا شديدي الحرص على تعزيز قدراتهم الإعلامية التي استعيد معها أي صوت جنوبي مخالف للنسق..
وهذا معمول به حتى اللحظة. بمعنى أدق، لا يريدون الحقيقة مطلقاً المتعلقة بتاريخ الجنوب وحضارته ووجوده المستقل، إنما يرون في الحديث العفوي المتجاوز لهذه الحقائق هو الأفضل في التعاطي..
ما يعني أن فشلهم في التزييف لوعي الأجيال أخذ منحى آخر، أعني ما يتم تكريسه في وسائل إعلامهم.
الأمر الذي يدعونا للعمل على هذا الصعيد وبمهنية وإظهار ما لدينا من حقائق تدحض ادعاءاتهم الملفقة التي يصعب أن تصمد أمام حقائق تاريخ ليس غائباً من ذاكرتنا كشعب ومن ذاكرة التاريخ ومراكز الأبحاث العالمية.. ما يعني أن أي تفاوض على الصعيد السياسي بعد كل ما حدث وصار بالنسبة للجنوب لا يمكن أن يكون على أساس عواطف، إنما من منظور التاريخ وحقائقه وحق هذا الشعب الصابر الصامد في تحقيق إرادته.
وعلى أي حال، لسنا مرغمين على تجاوز تاريخنا وحقنا تحت أي مسميات كانت، فالمؤمن لا يلدغ من جحر مرتين، وينبغي أن لا نتجاهل سطوة الإعلام على مدى عقود ظل يردد حقائق مغلوطة يراد اليوم أن يكون البناء عليها في اي استحقاقات قادمة.
*- الأيام